الهروب إلى «شفيق»!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 27 أكتوبر 2017 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

المتأمل جيدا للمشهد السياسى الراهن فى مصر، يشعر بحالة من التشوش والارتباك والتخبط لدى بعض القوى والناشطين السياسيين، نظرا لحجم التحولات والتقلبات الهائلة، التى عصفت بهم على مدار السنوات السبع الماضية، وجعلت قراراتهم وتوجهاتهم وتقييمهم للأمور فى غير محله، وربما فى كثير من الأحيان «معيبا ومخجلا»، ومثيرا لعلامات استفهام لا حصر لها.

التاريخ القريب يكشف لنا عن أحد مظاهر هذا التخبط الذى نشاهده اليوم، ففى جولة الإعادة لأول انتخابات رئاسية جرت بعد ثورة 25 يناير 2011، وتحديدا يومى 16و17 يونيو 2012، انقسم المصريون إلى ثلاث فرق، الأول وكان من بينهم عناصر من معسكر 25 يناير ــ قرر دعم محمد مرسى، مرشح جماعة الإخوان، على اعتبار ان جماعته تعد إحدى الفصائل التى شاركت فى الثورة، وبالتالى سيكون حريصا على تحقيق أهدافها، بينما الفريق الثانى قرر دعم منافسه الفريق أحمد شفيق، إما كراهية للجماعة التى ينتمى اليها مرسى، أو للثورة التى أزاحت نظام حسنى مبارك.

كان هناك فريق ثالث، قرر بلا تردد مقاطعة هذه الانتخابات، وكانت وجهة نظره أن كلا المرشحين لا يصلحان لقيادة البلاد، فالأول وهو مرشح الإخوان، لن يكون معبرا عن الثورة وسيعمل لصالح تحقيق أهداف جماعته فقط، وسيجر المجتمع إلى منطقة متشددة دينيا، اما منافسه فيعد امتدادا طبيعيا لنظام مبارك، الذى ثارت عليه الملايين من أبناء هذا الشعب، وبالتالى فإن دعمه واختياره لتولى مقعد الرئيس، يعد «خيانة» لـ« 25 يناير» وإجهاضا مبكرا لتطلعاتها وأهدافها.

منذ ذلك التاريخ، جرت فى النهر مياه كثيرة، وحدث ما نراه اليوم من تحولات حادة لدى بعض القوى والنشطاء السياسيين الذين ينتمون إلى «25 يناير»، جعلتهم يعلنون بلا مواربة عن دعمهم لترشح شفيق إذا فكر الترشح فى الاستحقاق الرئاسى المقبل، وتناسوا انتقاداتهم العنيفة له، وسخريتهم اللاذعة منه.

ليس هذا فحسب، بل إن العديد من المتابعين والمراقبين عن كثب لتيار وفصائل الإسلام السياسى فى مصر، لا يستبعدون إقدام جماعة الإخوان على الوقوف خلف الفريق شفيق ودعمه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، نكاية فى النظام الحالى، ومحاولة للإفلات من حالة الحصار الشامل التى تفرضها الدولة على عناصر الجماعة أمنيا وسياسيا فى الوقت الراهن.

مبدئيا لسنا ضد ترشح الفريق شفيق أو غيره فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، طالما لا توجد موانع قانونية حقيقية تحول دون دخولهم السباق، بل إنه من الواجب أن تكون هناك خيارات كثيرة فى هذا الاستحقاق، حتى لا يتحول إلى مجرد استفتاء على شخص واحد، وبالتالى تفقد البلاد فرصة حقيقية للاختيار الديمقراطى الحر، الذى يساهم فى عبور التحديات الكبيرة التى تعترض طريقها حاليا، لكن السؤال الذى ينبغى على الجميع التوقف أمامه هو: هل رهان بعض أبناء يناير على شفيق فى محله؟.

فى تقديرى أن الهروب إلى الفريق شفيق، والتعويل عليه فى الانتخابات الرئاسية، ليس فكرة صائبة تماما، لأن ذلك الأمر يعنى صراحة، إعلان وفاة حقيقى لثورة 25 يناير، ويتطلب من الجميع ــ خصوصا من أيَّدها بحماس وإخلاص ــ الاعتذار صراحة لمبارك عن «خطأ» المشاركة فى تلك الثورة التى خلعت نظامه فى 18 يوما.

سنجد من يقول: و«هل تمت فعلا إزاحة نظام مبارك؟.. فالعديد من رموزه يوجدون الآن على المشهد السياسى والإعلامى، والكثير من سياساته الاقتصادية والاجتماعية تطبق بالفعل على أرض الواقع».. هذا حقيقى ولا جدال فيه، لكن مساعدة الفريق شفيق على تسلم المقعد الرئاسى، تعنى بلا مواربة إعادة إحياء نظام مبارك بكل رجاله وسياساته وتوجهاته، ودفن ما تبقى من إرث ثورة 25 يناير إلى الأبد، حتى لو كان هذا الإرث مجرد فكرة حالمة فى التغيير وبناء دولة مدنية حديثة.

على المتحمسين لمساندة الفريق شفيق، خصوصا من المحسوبين على 25 يناير، التريث قليلا
قبل الإقدام على هذه الخطوة، والتفكير جيدا خارج الصندوق لمرة واحدة فقط، والبحث عن بديل حقيقى يكون معبرا عما يؤمنون به من أفكار ومبادئ، ولديه القدرة على المنافسة بقوة فى ظل هذا المناخ السياسى الضاغط بقوة على جميع الأطراف.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved