متعاطف مع المجلس العسكرى

خالد الخميسي
خالد الخميسي

آخر تحديث: الأحد 27 نوفمبر 2011 - 9:55 ص بتوقيت القاهرة

تمتلك وتدير القوات المسلحة المصرية (حسب مصادر أجنبية) حوالى 40% من ثروة مصر الإجمالية. كما أنها قد طورت عبر العقود الماضية علاقات شراكة مع مؤسسات محلية وإقليمية حتى باتت مؤسسة إقتصادية عملاقة بكل المقاييس، ويكفى السير فى أى مكان عبر القطر المصرى من شماله إلى جنوبه لترى حجم الأراضى المملوكة للقوات المسلحة. وهو أمر أصبح عاديا للمصريين رغم أنه غير عادى على الإطلاق. ومنذ رحيل مبارك بقرار من المؤسسة العسكرية لإنقاذ النظام السياسى والاقتصادى القائم قام المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية بالاتفاق مع القوى الدولية على خطوط حمراء لن يتخطاها فيما يتعلق بسياسات مصر الدولية، مع التأكيد على أننا سوف نستمر فى نفس السياسات الاقتصادية التى فرضها علينا البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، فضمن بذلك تأييد العالم الأول له.

 

وهذا ما نراه اليوم من تأييد غير مشروط للمجلس من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. كما أقام المجلس علاقات واتفاقات مع القوى السياسية المصرية من شأنها تحقيق قدر من المكاسب السياسية لهذه القوى، وفى نفس الوقت تنفيذ إستراتيجية المجلس لشكل الدولة المصرية القادمة التى هى استمرار لنفس دولة مبارك مع بعض التعديلات الطفيفة. ثم أقام اتفاقا خاصا مع تنظيم الإخوان المسلمين جعل منهم حليفا استراتيجيا له. واستمرت العلاقة بينهما منذ شهر فبراير إلى الآن على أحسن حال مع تفجير قضايا خلافية وهمية لإعطاء انطباع أن السمن والعسل به بعض نقاط الطحينة. كما أقام المجلس علاقات ممتازة مع القوى الإقليمية خاصة الرجعية منها كالمملكة العربية السعودية. واليوم تخرج قلة مندسة تطالب هؤلاء بالتخلى عن السلطة وعن إدارة المرحلة الانتقالية. ماذا يجب أن يكون رد فعل هذا المجلس؟ ضعوا أنفسكم فى أماكنهم.

 

كل شىء متفق عليه. الانتخابات قادمة ومضمونة النتائج لتشكيل برلمان على هوى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وعلى هوى القوى السياسية المصرية التقليدية. المستعمر الأمريكى راضٍ تماما عن هذه الخطوات. القوى المالية المهيمنة على الكون هى أيضا راضية وسعيدة. القوى الإقليمية راضية. فما لكم أنتم يا قلة يا مندسة بكل هذه الترتيبات؟

 

●●●

 

نعم كان من الخطأ استخدام العنف المفرط. أظنهم يعترفون بهذا الآن. لأنهم وضعوا شركاءهم من القوى السياسية التقليدية فى أزمة، وكذلك أصدقاؤهم الدوليون. ويجب الآن إيجاد حلول بديلة فورا:

 

● الترويج لأكذوبة جميلة اسمها «حكومة إنقاذ وطنى» عبر كل الوسائط الإعلامية. وبالفعل تم الأمر بصورة جيدة أقنعت نسبة لا بأس بها من المصريين غير المشاركين فى الحراك الثورى. ثم دمج فكرتى حكومة إنقاذ وطنى ومجلس رئاسى على أساس أنهما شىء واحد. على الرغم من وضوح الفارق الشاسع بينهما. الأولى حكومة سوف تأتى كبديل عن حكومة سابقة ولكن نضع لها اسم «إنقاذ وطنى» ليبدو الأمر لمن لا يعرف وكأنهم سوف يأتون بالذئب من ذنبه. أما الثانية فمجلس رئاسى سوف يحل محل المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى إدارة المرحلة الانتقالية والتى تمت إدارتها بصورة كارثية حتى الآن.

 

● محاولة التعتيم التام على قضية المجلس الرئاسى وإذا تم فتح الموضوع بالخطأ فيتم مواجهته بقضية التهجم على المؤسسة العسكرية الوطنية باعتبارها الراعى الرسمى للثورة وللوطن، ثم تتم مواجهة الفكرة بعدم وجود معايير لاختيار مثل هذا المجلس. وكأن الحركة الثورية والمجتمع المدنى سوف يعجزان عن تحديد معايير موضوعية للاختيار.

 

● الحديث عن المرشحين للرئاسة باعتبارهم قوى بشرية مهمة وخطيرة يمكنها التدخل لإنقاذ الموقف المتأزم. على الرغم من أن هؤلاء لا صفة لهم على الإطلاق فإنهم قرروا أنهم سوف يرشحون أنفسهم ــ إن شاء الله ــ عندما يحين الوقت. بمعنى أن أى مصرى كان يمكنه، ويمكنه حتى الآن أن يعلن أنه مرشح محتمل للرئاسة. وذلك لأن الكثير من هؤلاء هم جزء من النظام القديم بشكل أو بآخر.

 

● السيطرة على الإعلام بالترويج لأفكار مؤداها أن هؤلاء المطالبين بالتغيير هم قلة مندسة وممولة من جهات خارجية (على الرغم من أن جميع الجهات الخارجية المؤثرة تدعم المجلس العسكرى والإخوان المسلمين).

 

● وكما برع تنظيم الإخوان المسلمين فى تطوير كتائب للجهاد على الإنترنت لشتم أى شخص يمس الذات العلية لهذا التنظيم عبر الوسائط المتعددة فى الفضاء الإلكترونى، فقد نشطت خلال الشهور الماضية كتائب لمهاجمة من تسول له نفسه نقد أداء المجلس العسكرى. وقد تكون هى نفس الكتائب الجهادية لتنظيم الإخوان.

 

● الاضطرار إلى تقديم مزيد من التنازلات لحليفهم الاستراتيجى الاخوان المسلمين حتى يساندوهم فى هذه الأزمة. وهؤلاء أثبتوا للجميع فى الأيام الماضية أنهم خير حليف.

 

● محاولة إيجاد حلول مبتكرة لهذه الحكومة المسماة بمنقذة الوطن حتى يتم تمريرها. على الرغم من وضوح مدى فداحة الكذبة.

 

● العزف على فكرة أن الانتخابات هى الحل لكل الأزمات. بدأ العزف فى البيت الأبيض منذ أسبوع وتكرر صدى العزف لدينا من جوقة المجلس والإخوان والقوى السياسية التقليدية.

 

● طرح نكتة الاستفتاء على شرعية المجلس أو شرعية المتظاهرين وكأن الثورات وحركات التغيير تقوم بها نسبة تفوق الخمسين فى المائة من الشعب، وهو الأمر الذى رد عليه الشعب المصرى بمنتهى الحكمة.

 

جهد لا بأس به. هل سوف ينجحون فى تخطى أزمتهم الراهنة بدعم المجتمع الدولى والقوى السياسية الهرمة؟ ولكن ضعوا أنفسكم فى أماكنهم. هل يمكن التضحية بما يمتلكون؟ هل يمكن التضحية بعلاقاتهم مع القوى السياسية والاقتصادية الدولية والإقليمية؟ هل يمكن أن يتصوروا أن هؤلاء المتظاهرين يمتلكون رؤية أفضل منهم ومن زعماء السياسة المصرية الذين يجلسون معهم على موائد المفاوضات فيما يتعلق بمستقبل مصر؟

 

صحيح أنهم قتلوا بعض «الضحايا» (حسب توصيف المشير) صحيح أنهم فقأوا بعض العيون، صحيح أنهم ما زالوا يلقون بقنابل غاز تكاد تدخل فى خطورتها للحرب الكيماوية. ولكن كل ذلك لغرض نبيل هو إنقاذ مصر من هذه الشرذمة المطالبة بالتغيير وبإسقاط نظام مات بالفعل.   

 

●●●

 

أنا حقيقة متعاطف تماما مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة (عندما وضعت نفسى فى مكانهم) ولكننى أود أن أقول لهم إنهم يسيرون عكس حركة التاريخ. وأن هؤلاء الذين يتظاهرون فى شوارع مصر مطالبين بنظام جديد، وبمجلس رئاسى يدير المرحلة الانتقالية بصورة شفافة، وبتأجيل الانتخابات التى سوف تكون مهزلة حقيقية لو تمت، (وعلى أى حال لو تمت سوف يتم الطعن فى صحتها مستقبلا لأن الثغرات القانونية فيها أكثر من أن تعد) هؤلاء الثوار سوف يفرضون ما يريدون فى النهاية. ولو لم يفرضوه هذه المرة فسوف يفرضونه فى الموجة الثالثة من الثورة أو الموجة الرابعة أو السابعة. فالثورة المصرية هى ثورة فى سيكولوجية أمة. ثورة غيرت فى مفاهيم الحركة والفعل، أنبتت منهجية جديدة فى التفكير. سوف ننتظر على الأرجح قليلا حتى يتم فرز قوى سياسية تمتلك القدرة على الحديث باسم الثورة. ولكن إلى هذا الحين سوف تستمر حركات الاحتجاج رافضة ما يحاك ضدها من رجال عصر انقضى زمنهم.

 

أما اليوم فأنا أطالب القوى المدنية (تلك الجمعيات التى أدت دورا مهما فى مجال حقوق الإنسان، وفى مجال مراقبة الانتخابات وفى مجال نقد المرحلة الانتقالية وتحليلها) أن تأخذ خطوة إلى الأمام وتقدم مشروعا واضحا لمجلس رئاسى يدير المرحلة المقبلة، ويوضح المشروع كيفية ومعايير اختيار هذا المجلس وطريقة عمله. على المجتمع المدنى أن يأخذ اليوم مسئولياته فى يده. أعرف أن السياسة هى فن الممكن وليست فن المستحيل. ولكن فى الثورات يتداخل الممكن مع المستحيل. فى الثورات كل شىء ممكن لو أراده الشعب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved