قبلة أم تحرش؟

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الجمعة 27 نوفمبر 2015 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

القُبلة التى قام بها شاب وفتاة فى شارع الوكالات، والتقطها صياد صور ونشرها مطالبا بإنزال عقوبة خدش الحياء العام، لم تكن سوى فعل لعاشقَيْن عبّرا عن سعادتهما، ولم يحسبا حساب مجتمع مفصوم متعدّد المعايير. هذا المجتمع الذى سيعلن خرسه وصممه عندما يكون الموضوع متعلّقا بالغبن الفاحش الذى يلحق بالنساء، ابتداء من التحرّش الوقح بهن، وانتهاء بإعلان الذكر وليا مطلقا عليهنّ؛ إذ لا أهلية حقيقية للمرأة فى القانون الأردنى، حيث لا تستطيع أن تكون ولية على القُصّر إلا إذا تنازل عن الولاية الأب، ولا تستطيع أن تسافر مع أطفالها إلا بإذن الأب، ولا تستطيع أن تجرى عملية جراحية لهم إلا بإذن الأب، وهكذا. كما لا تستطيع أن تكون ربة العائلة فى دفتر العائلة (إذا كانت عزباء أو أرملة لزوج راحل) إلا إذا كان لها أخ أو ابن ذكر. فهى بالقانون تابعة حتى لو بلغت منصب رئيسة وزراء!
الحادثة السابقة تكشف أيضا عن الطينة العُصابية لفكر مجتمعنا، حيث يثور فجأة الاهتمام الشعبى بنافل الأحداث وأحادية الوقائع. ولن نستغرب إذا ما كان موضوع خطبة الجمعة فى طول البلاد وعرضها، عن «الانتهاك السافر للفضيلة! والتآمر على أخلاق الأمة ودينها بالسلوك المستورد من الغرب الكافر!» حيث سيتم التشديد على ضرورة الحَجْر على «بناتك حتى لا يقمن بفعل استهتار هو بحد ذاته فعل رذيلة ما بعدها رذيلة!». وسيتعرض المصلون وحاضرو دروس العشاء إلى تأنيب طويل وعريض حول التفلّت الذى فى المجتمع من سماحهم للمرأة أن تخرج من بيتها وأن تعمل وأن تتعلّم! وسيستدعى جهابذةُ الوعّاظ والأئمة أدلَّة مأخوذة من إفتاءات مريضة بالجنس والميسوجينيا (مرض كره المرأة) والجينوفوبيا (الرهاب من المرأة)، بحيث يجعلون من المرأة شيطانا رجيما وراء كل فساد وعلّة لكل سقوط.

وقف أحد الدعاة المعروفين فى الأردن، المظنون أنه وسطى ومعتدل ومنفتح الأفق يقول للمرأة التى تخرج سافرة: «خمسة من الرجال سيدخلون النار بسببك: أبوكِ وأخوكِ وزوجكِ وابنكِ وعمُّكِ (ونسى ابن العم الذى يرث أباها معها أيضا)، لأنهم لم يمنعوك من ذلك»! وكان يفعل بيده هكذا.. فاردا جميع أصابعه... خمسة... خمسة... مرددا خمسة... ولن نستغرب أيضا أن يقف هذا الداعية ويعلق على الحادثة بما يوحى بانهيار المنظومة الأخلاقية والإسلام!

نعم! إن المنظومة الأخلاقية منهارة، لا لأن فتى متحمسا قبّل فتاته فى الشارع، فمن قبل ذلك بعقود كان السوس ينخر مجتمعاتنا فلا عمل متقنا، ولا صيانة تدوم، ولا صدقَ فى قول، ولا أمانة فى وظيفة، ولا ولاء للوطن، ولا ذمة ولا عفة فى النفس، ولا حرية للتفكير والإبداع... ولا... ولا...
وأسوأ ما فى الأمر أن «الداخلية» تجدُّ فى البحث عن السيارة التى كان يركبها الفتى، للقبض عليه، فى حين أن من يجب أن يُقبَضَ عليه هو المصور، الذى نشر الصورة دون أدنى حياءٍ!

لنتفاءل بالأمل لعلنا واجداته!
الغد ــ الأردن
زليخة أبو ريشة

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved