محاولة للتفاؤل بالنسبة لأوضاع التنمية فى مصر فى العام الجديد

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الإثنين 27 ديسمبر 2010 - 9:22 ص بتوقيت القاهرة

 أود يا عزيزى القارئ أن أعرب لك بداية عن أصدق تمنياتى لك بأن يكون العام الجديد عاما طيبا ، وكم أجاهد لكى أشفع هذه التمنيات بأخبار سعيدة لكى تتأكد أن العام الجديد سيحمل بالفعل تطورات مفرحة لنا كمصريين وعرب، بل ربما أحاول أن أتلمس الصدق فيما قاله مسئول كبير والذى تفاخر بزيادة عدد السيارات الخاصة فى مصر، مدللا بذلك على انتشار الرخاء واتساع حجم الطبقة المتوسطة، أو فى وعد مسئول آخر بأن يرتفع مستوى النمو الاقتصادى فى مصر إلى 7% أو 8% فى السنوات القليلة المقبلة. نتطلع إلى أن يرتفع شأن وطننا، وأن نحقق من الإنجاز ما يجعلنا نسعد بمكانتنا بين الأمم. وحتى لا يكون الأمر مجرد تعلق بأحلام فى نهاية عام وميلاد عام جديد، فلنحاول أن نتعرف على ما سيحمله العام الجديد بالنسبة للتنمية الإنسانية فى مصر، وبالاعتماد على البيانات الحكومية التى يشكك فى صحتها كثيرون، ولكن دعنا فى هذه المناسبة، وحتى لا يغادرنا الشعور بالتفاؤل نتخذها وحدها أساسا لتوقعاتنا بالنسبة للمستقبل.


نمو اقتصادى فى حدود ما تحقق فى العام المنصرم

نبدأ بالرقم حول معدل النمو الاقتصادى. ليست هناك أرقام مؤكدة حول معدل النمو فى العام الجديد، ولكن العام الجديد هو امتداد لما نفعل فى العام الذى يوشك أن ينقضى ما لم نجد بطبيعة الحال تطورات مفاجئة إيجابية أو سلبية تجعل مساره مختلفا. الأرقام التى تنشرها وزارة المالية تتوقع أن يكون معدل النمو فى سنة 2010 هو 5.4%، وقد يكون معدلا معقولا باعتبار أن العالم لم يخرج بعد من أزمة اقتصادات الدول الرأسمالية التى يعتمد اقتصادنا كثيرا عليها فى صادراته ووارداته. وحتى نتجاوز هذا المعدل ونصل إلى المعدل الذى تعرفه بلاد مثل الصين والهند والذى يقترب من 10% فى الأولى و8% فى الثانية، فإن معدل ادخارنا واستثمارنا يجب أن يرتفع كذلك. هذان البلدان يستطيعان تعبئة ما يصل إلى ثلث ناتجهم المحلى فى الادخار والاستثمار، ولذلك يمكن لهما أن يحققا معدلات نمو عالية. نحن لا نكاد نصل إلى نصف ما يعبئونه لتحقيق النمو. ووفقا لبيانات وزارة المالية، فادخارنا المحلى لم يتجاوز 14.1% فى العام المالى المنصرم. صحيح أننا نعتمد أيضا على موارد خارجية لتوليد النمو، وكانت معدلات النمو الأعلى التى حققها الاقتصاد المصرى فى سنوات ما قبل الأزمة تتوافق مع معدلات عالية لتدفق رءوس الأموال الأجنبية فى استثمار مباشر فى مصر، وبلغ حجمها فى سنة 2007 ــ 2008 أكثر قليلا من 13 بليون دولار، ولكن هذا التدفق السنوى قد انخفض فى العام المنصرم إلى 6.7 بليون دولار. وهكذا فارتفاع معدل النمو فى العام الجديد مرتبط بزيادة معدل الادخار المحلى أو بزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو بتحسن كفاءة إدارتنا لمواردنا المحلية. ولن أكون متشائما، ولكن أقول أنه حتى الآن لا توجد بوادر لتحسن كبير فى أى من هذه المؤشرات. ومن ثم فالأرجح ألا يرتفع معدل النمو فى مصر فى العام القادم عما تقول الحكومة المصرية إننا حققناه فى العام المنصرم. أى أنه سيدور حول 5%.


مساهمة النمو فى التنمية

ما معنى هذا النمو، وما هى انعكاساته أولا على تحول الاقتصاد المصرى إلى اقتصاد يشبه اقتصادات الدول الصاعدة فيما كان يعرف فى الماضى بدول العالم الثالث، وتسمى الآن بدول الجنوب، وتسمى الدول الصاعدة بينها، مثل كوريا الجنوبية والهند والصين وحوالى عشر دول مثلها بالدول الصناعية الجديدة. إن الذى حقق النمو فى مصر فى العقود الأخيرة لم يكن هو الصناعة أو الزراعة، ولكن بالأساس قطاع الخدمات، وعلى العكس فإن نمو الصناعة بمعدلات عالية هو الذى يسمح بنقلنا إلى مصاف تلك الدول. لو نظرنا إلى توزيع الاستثمارات فى مصر لاكتشفنا نوع الاقتصاد الذى تولده هذه الاستثمارات. لا تحظى الصناعة التحويلية ومعها صناعة المنتجات البترولية إلا بما يزيد قليلا عن عشر إجمالى الاستثمار السنوى أو حوالى 11.4% من هذا الإجمالى، ولا تتلقى الزراعة سوى 2.9%، بينما يتلقى قطاع النفط والتعدين والغاز الطبيعى نحو سدس إجمالى الاستثمار ــ 18.8%. ويذهب أكثر من نصف الاستثمارات ــ 56% ــ إلى قطاعات الخدمات الإنتاجية والاجتماعية. وتحظى الخدمات الإنتاجية وحدها بحوالى ربع إجمالى الاستثمارات. بطبيعة الحال الخدمات الإنتاجية مثل النقل والاتصالات ضرورية لرفع كفاءة الاقتصاد، والخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة أساسية لرفع مستوى التنمية الإنسانية. ولكن توجيه ما لا يزيد قليلا عن عشر الاستثمارات لقطاع الصناعة التحويلية مضافا إليه قطاع المنتجات البترولية يعنى أن أمامنا شوطا طويلا جدا علينا أن نقطعه حتى نصل إلى مصاف الدول الصناعية الجديدة، وسيظل اقتصادنا مصنفا على أنه اقتصاد خدمات تتوقف سلامته كثيرا على الأوضاع الإقليمية والدولية التى تحدد مدى تدفق السياح وتحويلات العاملين، وعدد وحمولة السفن المارة بقناة السويس، بينما يتضاعف اعتمادنا على الخارج فى الحصول على الغذاء بل وفى معظم احتياجاتنا من السلع الاستهلاكية والإنتاجية.


النمو المحافظ على الفقر

ماذا عن انعكاس ذلك على مستوى معيشة المواطنين؟. إن هذا المعدل لنمو الاقتصاد هو معدل متواضع للغاية بكل تأكيد بالمقارنة بما حققته دول شرق آسيا أو جنوبها، بل إنه أقل مما يدعو إليه أقطاب حكومتنا الذين يجاهرون بضرورة ألا يقل معدل النمو السنوى عن 7 أو 8% حتى يمكن التخفيف من حدة البطالة وتقليص حجم الفقر. ويكشف تقرير التنمية البشرية فى مصر فى عدده الأخير أن نسبة الفقراء فى مصر لم تقل عن 21.6% أو ما يزيد قليلا على 16 مليون مصرى ومصرية. لن نجادل فى مدى دقة مؤشر الفقر الذى تعتمده وزارة التنمية الاقتصادية فى مصر. ولكن يكفى القول إن كل ما تحقق من نمو فى السنوات الماضية والذى تفخر به الحكومة وحزبها لم ينجح فى حلحلة الفقر فى مصر.

أعرف أن صعوبات الحياة هى الواقع الذى يعايشه أغلبية المصريين كل يوم، ولا أود أن أثقل على القارئ بأرقام تبعث القنوط ونحن نستقبل عاما جديدا، ولذلك آثرت أن اعتمد على بيانات الحكومة، وهى قد لا تكون فى مجال الاقتصاد أكثر صحة مما تقوله فى مجال السياسة والانتخابات، ولكن دلالة هذه الأرقام الحكومية واضحة. الاقتصاد المصرى لن يسير فى العام الجديد على مسار التحول إلى ما يشبه اقتصادات الدول الصناعية الجديدة، وتبعيتنا للسوق العالمية والدول الرأسمالية فى الحصول على الغذاء والاستثمارات والتكنولوجيا مستمرة ومتفاقمة، وأعداد الفقراء فى مصر فى ثبات إن لم تكن فى تزايد. تلك هى إنجازات العهد السعيد للحزب الذى يسمى نفسه وطنيا وديمقراطيا، وهو حزب هانئ بما يتوهمه من إنجازات، وعلينا نحن أن نجنى الطعم المر لهذه الإنجازات حتى يقضى الله بأمره، مادمنا، كما كان حالنا دائما، نترك كل أمورنا للعزيز القدير.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved