الاقتراب من أردوجان: الممكن والمستحيل

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: السبت 28 فبراير 2015 - 1:00 م بتوقيت القاهرة

التواجد فى توقيت متزامن بالمكان نفسه لا يخلو من إشارات ورسائل.

القضية ليست أن يتقابل أو لا يتقابل غدا الرئيسان «عبدالفتاح السيسى» و«رجب طيب أردوجان» فى العاصمة السعودية الرياض بقدر ما هى طبيعة أية تسوية محتملة والأسباب التى دعت أو قد تدعو للتفكير على نحو جديد فى الاقتراب من ألغام الأزمة المصرية التركية.

السؤال الأول: لماذا الآن؟

والسؤال الثانى: على أى حساب استراتيجى؟

والسؤال الثالث: هل نحن بصدد حلحلة أزمة متفاقمة وخفض مستوى أخطارها أم أمام مشروع تحالف إقليمى جديد يضم مصر وتركيا والسعودية فى مقابل تحالف آخر تقوده إيران؟

الأسئلة بذاتها ليست جديدة ولا مفاجئة تماما، فقد طرحت على نطاق واسع فى الأوساط السياسية والدبلوماسية العربية بعد طى صفحة العاهل السعودى الراحل «عبدالله بن عبدالعزيز» وصعود نخبة حكم جديدة تتبنى خيار الانفتاح السياسى على تركيا دون اهتزاز كبير فى العلاقات مع مصر وفتح قنوات حوار معلنة مع جماعة الإخوان المسلمين بالوقت نفسه.

وفق ما تتبناه نخبة الحكم الجديدة فإن التحالف المقترح يضمن للسعودية أن تكون فى موقف قوة أفضل بمواجهة الطموح الإيرانى الذى وصل حدودها المباشرة مع اليمن وبات يهدد أمن نظامها بصورة غير مسبوقة.

لم تعد الرياض على ذات درجة القلق من نفوذ جماعة الإخوان المسلمين ومستويات تهديدها لنظم الحكم فى الخليج، فقد ضربت الجماعة الأكثر تنظيما فى عمودها الفقرى المصرى.

بذات القدر لم تعد مستعدة أن تمضى فى الخيارات التى انتهجتها على عهد عاهلها الراحل ولا أن تراهن على الدور المصرى بالمستوى الذى تبدى بعد (٣٠) يونيو.

كل شىء تغير بصورة دراماتيكية فى قصور الحكم باستثناء أن أحدا من سكانها لا يملك أن يقامر بخسارة هذا الدور، فالحضور المصرى فى معادلات المنطقة من ضمانات أمن الخليج ونظمه الحاكمة.

المعنى أننا أمام مراجعة فى العمق لطبيعة العلاقات المصرية السعودية، ودون تحرج فالحقائق تعلن عن نفسها.

هناك «انقلاب قصر أبيض» أزاح كل شىء يرتبط بفترة حكم العاهل الراحل لعله الانقلاب الأسرع فى التاريخ.

من اللحظات الأولى تبدت الإشارات، لا دفء ولا فتور مع مصر، لا رهان كامل ولا انفصال تام.

ولم تكن الولايات المتحدة بعيدة عن التطورات الجديدة.

فى لحظة الانقلاب بدت أمام نخبة الحكم الجديدة خطورة التهديدات الإيرانية على حدودها المباشرة مع اليمن، فـ«الحوثيون» الموالون لطهران وصلوا إليها.

ورغم أن تركيا لا تملك أوراقا مؤثرة فى الملف اليمنى إلا أن أدوارها الأخرى فى المشرق العربى تساعد على إنهاك طهران، فاللاعب التركى رئيسى وفاعل فى ملفى «سوريا» و«العراق» وله حدود مباشرة يمر من خلالها مقاتلون وأسلحة.

بلغة الحقائق هناك تمدد فى النفوذ الإيرانى عسكريا وسياسيا بأربع عواصم عربية «دمشق» و«بغداد» و«طرابلس» و«صنعاء» بينما تراجع بفداحة الدور السعودى.

هناك خشية معلنة أن يفضى رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران بعد الاتفاق المحتمل على تسوية أزمة ملفها النووى مع الولايات المتحدة إلى مزيد من تمدد أدوارها الإقليمية.

أجراس الخطر استدعت التفكير فى بناء تحالف جديد اعتمادا على قوة السعودية الاقتصادية وما يمكن أن تقدمه لمصر وتركيا من استثمارات.

نقطة الخلل الجوهرية فى هذا التفكير أنه لا ينظر إلى حسابات الأطراف الأخرى فى التحالف المقترح.

قرر وتصرف دون أن يراجع شركاءه، وهذا لا يصح ولا يستقيم ولا يستمر.

لا يعنى حاجة مصر إلى أن يتعافى اقتصادها المنهك أن ترهن وجودها لتحالفات إقليمية تضر بمصالحها العليا وبأية أدوار محتملة فى عالمها العربى.

هناك فارق جوهرى بين خفض مستوى التوتر مع تركيا والدخول معها فى تحالف.

للأول ضروراته وللثانى مخاطره.

مما هو ضرورى أن نفرق بعمق بين تركيا ورئيسها، الأولى من ركائز المنطقة الرئيسية مثل مصر تماما ولا ينازعهما على المكانة نفسها سوى إيران.. والثانى مؤقت وعابر بأحكام الطبيعة والسياسة.

وبحسب ما هو مستقر فى العلاقات الدولية فلا صداقات دائمة ولا عداوات تستعصى على التجاوز، وأيا كانت تجاوزات الرئيس التركى فادحة ومهينة لبلد عريق فى حجم تركيا فإن ما هو شخصى يتوارى أمام اعتبارات المصالح العليا.

إن أى اقتراب محتمل مع تركيا يزيح ما تراكم من عداوات ويضيق ما اتسع من فجوات خطوة صحيحة شرط أن تنهض مقوماتها على أرض صلبة.

ولا أحد عاقلا يدرك حقائق المنطقة المشتعلة بوسعه أن يمانع فى أن يكون هناك حوار جديد فى ملفات الصدام، وهى خمسة ملفات على سبيل الحصر: سوريا والعراق وليبيا والجماعة والإرهاب.

تقريبا فإن ما هو مشترك يكاد أن يكون هامشيا فى جميع هذه الملفات.

فى كل ملف مئات التفاصيل التى تستحق أن تبحث وأى تقدم فهو فى مصلحة البلدين.

أما خداع النفس بصلح مراوغ فلن يكون أفضل حالا من التجربة القطرية.

ومع ذلك فالحوار الجاد فى عمق الأزمة قد يساعد على وقف حرب شبه معلنة بين البلدين أهدرت كل قانون دولى واخترقت كل سيادة ووصل التدهور فى الثقة العامة إلى شكوك مصرية قوية فى تورط تركيا تمويلا وتسليحا بأعمال عنف وإرهاب.

وهذا الكلام كله يحتاج إلى إجابات مقنعة وتعهدات بسلامة الأمن القومى المصرى.

مثل هذه الملفات يصعب تجاوزها بقبلات متبادلة أمام عدسات المصورين.. وإذا صدقت النوايا فهناك عمل طويل ومنهك والتزامات متبادلة.
ومما هو خطير ألا نعرف للخطى موضعها بلا تحفظ أو أن نتورط بلا روية.

بعبارة صريحة فإن التحالف المقترح ينطوى على مشروع صدام جديد فى الإقليم المنهك بالحروب والحرائق والزلازل والبراكين بلا مصلحة مصرية واحدة وإعلان عداء مع إيران بلا مبرر.

أمن الخليج مسألة أمن مصرى، وبغض النظر عن أية مساعدات اقتصادية، من واجب مصر أن تنهض لمساندة أشقائها فى الخليج وأن يكون اقترابها من إيران بتفاهمات مسبقة، غير أن ذلك يستدعى المعاملة بالمثل فى الشأن التركى، وهذا كلام نهائى لا يصح الخلاف عليه وإلا فإنها مقدمة أزمة تؤذى الخليج قبل غيره.

مصر ليست دولة صغيرة وقادرة على النهوض بطاقة أبنائها ويجب أن تتسع رؤيتها لتوافقات وتسويات كبرى تبدأ من الأزمة السورية، حيث يبدأ أمنها القومى من الشام إلى الأزمة العراقية التى كان سقوط عاصمتها بغداد عام (٢٠٠٣) إيذانا بسقوط عربى مرعب إلى الأزمة الليبية وهى وجودية بالنسبة لها إلى الأزمة اليمنية التى تضرب بعمق فى استراتيجية البحر الأحمر عند باب المندب.

بأى حساب استراتيجى مصرى يصعب تجاهل الدور الإيرانى.

هذه حقيقة كبرى يفضى تجاهلها إلى إضرار فادح بالأمن القومى.

بذات القدر لا يمكن تجاهل الدور التركى وأثره فى محيطه.

فى الحالتين تتأكد المصالح المصرية بمد خيوط التفاهمات الممكنة والابتعاد فى الوقت نفسه عن التحالفات المستحيلة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved