يبدو أنه يطاردك!

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 28 أبريل 2019 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

يقولون لك دع القلق وابدأ الحياة.. يرددونها ثم يلحقونها بأن عليك أن تعمل لتخلق لك الحياة.. وبعدها لا تخلو عبارات الكثيرين وخاصة المسئولين منهم بالحث على العمل، وبأننا شعوب كسولة لا تعمل ولا تقدر أهمية العمل فى الحياة.. تتابعك الدراسات بأن مستوى ساعات العمل فى المنطقة الأكثر تدنيا بالنسبة للعالم، ثم نفس الدراسات تحدثك عن كم العاطلين من الشباب والشابات الباحثين عن فرصة ولو بسيطة للعمل، المدركين أن لكل مجتهد نصيبا وهم مجتهدون ولكن لا فرصة لهم أو لهن.
***
يأتى لك مديرك ليقول لماذا تنهك نفسك فى قضايا ومشاكل العمل، فهناك حياة خارج هذه الدائرة أو المؤسسة فعش حياتك وابعد عن القلق.. يبدو القلق يطاردك وأنت تردد ولكنى حقا أعمل على أن أعيش حياة دون قلق ولكنى مجبر على التفكير فى متطلبات إيجار البيت أو أقساط شرائه وأقساط مدارس الأولاد وإذا كانوا قد كبروا وتخطوا مرحلة المدرسة والجامعة فكيف أننى صرفت كل ما ادخرته على تعليمهم لينتهوا فى طوابير الباحثين عن عمل أو حتى يقبضوا دراهم أو ملاليم.. يقول ذاك الصديق الذى علم أولاده أن العلم نور وأنه فرصتهم فى حياة كريمة بأنه صرف على كل من أولاده الثلاثة ما لا يقل عن 500 ألف دولار منذ الحضانة وحتى الجامعة بشهادة البكالوريوس وليس الماجستير والدكتوراه ثم عادوا جميعا يمضون الوقت أمام أجهزة الكمبيوتر يبحثون عن ما يجعلهم يمضون وقتهم دون حسرة أو يسعدون بوظيفة لا تسمن ولا تغنى من جوع، فيجدوا أيديهم ممدودة إلى أحد أفراد العائلة، الأب أو الأم الأخت أو الأخ ليساعدوهم فى قضاء ما تبقى من الشهر!
***
عندما تجرأت هى للحديث مع المسئول عن قسمها بأن أخبرته بمدى التسيب فى تلك المؤسسة وقلقها على العمل.. إلخ.. ابتسم ذاك المسئول وقال لها «عبى حياتك» ونصحها بأن تجد حياة خارج العمل..هى التى عينت نتيجة إخلاصها لعملها وتفرغها له إيمانا منها بتلك المبادئ التى حدثوها عنها عندما تقدمت للعمل. فكرت كثيرا فى كلام ذاك المدير ثم قررت أنها لن تصل إلى أى حل.. هو الآخر ينصحها بأن تدع القلق وتبدأ الحياة.. وهى ليست قلقة على نفسها بل على الكثير من القيم التى تربت عليها وعلى ذاك الخطاب الذى طالما سمعته من قبل الكثيرين خاصة عندما تكون امرأة وطافت بمشاهد من الأفلام التى تصور النساء وهن يقمن بأعمال التحضير للطبيخ على مكاتبهن، فضحكت بحسرة هى التى آمنت أن العمل عبادة والتى حاولت أن تغير مفاهيم مترسخة عن أننا شعوب لا تعمل ولا تحب العمل.. والنساء منا أكثر الكسالى مع أنهن أكثر الكادحات فى أيام تطول حتى آخر ضوء قمر.
***
تلازم العبارتين أى أهمية العمل مع نسبة البطالة العالية مع عبارة ونصيحة دع القلق هى بذاتها مسببة ليس فقط للقلق بل لحالة من الاكتئاب التى تشمل الكبار والصغار ولا تستثنى أحدا!
***
بعضنا أو بعضهم يتساءل هل هناك وصفة طبية للابتعاد عن القلق فى أجواء ينتشر فيها كالنار فى الخشب.. ما الذى يستطيع أن يفعله ذاك الموظف الذى ينهك نفسه فى العمل ومع ذلك لا يحق له أن يأخذ أجازة لأنها للكسالى فقط وماذا عن الحياة خارج العمل؟ لا أحد يعرف أن يفسر هاتين المتلازمتين.. وإن لكل مجتهد نصيبا وماذا عن ذاك الشاب الذى ضيع سنين حياته الأولى حيث اللعب واللهو والتجارب الملهمة فى غربة وتشرد للحصول على شهادة الدكتوراه من أعرق الجامعات لينتهى هو الآخر فى سلة القلقين لأنه لا فرصة عمل له.. ليس فى وطنه أو أوطانه ولا هناك حيث تنهش الغربة فى لحمه الحى.
***
يبدو أن عبارة دع القلق بحاجة إلى «روشتة» واضحة لكل هؤلاء الكثرة من الشباب والشابات الذين يحسدون آباءهم وأجدادهم على بساطة الحياة ورغد العيش عندهم أو هكذا يتصورون عند مشاهدة كثير من أفلام الأبيض والأسود رغم أنهم يعرفون أن السينما هى جزء من الواقع وكثير من الخيال.. هم لم يعودوا قادرين حتى على الحلم لأنه هو الآخر لم يعد مسموحا أو ممكنا.
***
القلقون ليسوا قلقين بإرادتهم حتما وليسوا مكتئبين أيضا برغبتهم الجامحة فى التقوقع والمكوث لساعات طويلة فى النوم أو الاعتماد التام على الزنكس تلك الحبة التى أصبح البعض يتعامل معها كما «البنادول».. لا شيء ينهى القلق والأجواء بمجملها لا تبعث إلا عليه.. فأيها المبتهجون غير القلقين علمونا بربكم كيف نبعد عنه أى القلق!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved