المبشرون بالغلاء

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الثلاثاء 29 مايو 2018 - 9:50 ص بتوقيت القاهرة

رفعت وزارة النقل أسعار تذاكر المترو قبل قدوم شهر رمضان المعظم، ومع اقتراب العيد بما يتطلبه من نفقات اضافية وأعباء مالية على الأسرة، وخاصة محدودى الدخل ممن حولهم الغلاء إلى «معدومى» الحيلة فى مواجهة البلاء، راحت الحكومة تذكرهم بارتفاع جديد فى أسعار الوقود والطاقة، طبقا للخطة التى وضعتها وأعلنتها قبل سنوات، وقد حان وقت التنفيذ، حسب «خطة الإصلاح الاقتصادى»، واحتراما لتعهداتها مع صندوق النقد الدولى.

أفهم أن الحكومة تريد أن تطرق الحديد وهو ساخن، ولا تفوت الفرصة وقد هيأت المناخ لتجرع الناس ما يسميه البعض «الدواء المر» من أجل انقاذ الاقتصاد، وتجنيب «سقوط الدولة فى هاوية» عدم القدرة على سداد فوائد الديون الداخلى منها والخارجى، غير أن المبالغة فى محاولة إقناع الناس بقبول ما ينتظر أن يقع فوق رءوسهم على نحو بغبغائى، سيزيد الناس نفورا وليس قبولا، على عكس ما قد يعتقد «المبشرون بالغلاء».

يتبارى العديد من كتاب الأعمدة والمقالات، فى صحف الحكومة والموالاة على السواء، فى الأيام الأخيرة فى محاولة تصوير الأشواك على أنها ورود، ترويجا وتمهيدا «للدواء المر»، وراح أحدهم يتحدث عن رفع منتظر فى الرواتب والمعاشات التى قد تصاحب الزيادة المنتظرة، وبما يخفف العبء ولو قليلا عن الطبقة الوسطى والفئات الاجتماعية الأكثر تأثرا برفع الأسعار، وراح آخر يعزف ألحانا عن «مظلة الحماية الاجتماعية» التى وصلت إلى شرائح من الفئات الفقيرة والمهمشة، عل الصورة «تتجمل» فى مواجهة الزلزال المقبل.

طبعا من يتحدثون عن رفع رواتب موظفى الدولة الذين يربو عددهم على 6 ملايين موظف، تجاهل، لا أعلم عمدا، أم بحسن نية، الحديث عن إجمالى عدد المشتغلين فى ربوع القطر المصرى، والبالغ عددهم وفقا لما أعلنه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ( الثلاثاء 15ــ 5 ــ2018) 26.092 مليون مشتغل فى الربع الأول من عام 2018 الجارى، وهؤلاء الغالبية العظمى منهم لا يعملون عند الحكومة ولا يتوقع أن تشملهم الزيادة فى الأجور.

والسؤال هنا: هل سستتمكن الحكومة من إقناع رجال الأعمال برفع رواتب من يعملون لديهم فى القطاع الخاص؟. البعض تحدث عن أن الزيادة فى الأسعار ستطول الجميع، وأن رجال الأعمال سيطالبهم العاملون لديهم بزيادة مماثلة فى رواتبهم بمجرد أن تطبق الزيادة المنتظرة فى أسعار الوقود والطاقة، غير أنه لم يحدثنا عما إذا كان رجال الأعمال سيستجيبون، وهل سيرفعون بالفعل رواتب موظفيهم، أم لا، فى إطار تحمل الجميع للاعباء كلٌ حسب قدرته؟!!.

يكتفى البعض بالتبشير بالغلاء، والدعوة إلى الصبر وتحمل البلاء، ولا يقترب من المناطق التى يخشى الولوج إليها، خوفا وطمعا، فلا يتحدث عن ضرورة تقشف الحكومة وإداراتها، أو تخفيض عدد وزاراتها، والقضاء تماما على مظاهر الأبهة والتفاخر فى مواكب بعض المسئولين ولقاءاتهم، أو الدعوة لاكتفاء كل مسئول بسيارة واحدة تليق بمكانة منصبه، ولا نقول متواضعة، حفاظا على هيبة المنصب العام فى عيون الناس، وبما يخفف من نفقات استهلاك الوقود.

إذا كان الغلاء قدر فلا تجملوه، ولا تعزفوا اللحن أكثر من مرة، عن المخاوف من الإفلاس لو لم نتجرع السم الزعاف لـ«فاتورة الإصلاح»، وإنقاذ الدولة من شبح الانهيار الاقتصادى، بل أدخلوا إلى صلب القضية الأساسية، وهى محاربة الفساد، والقضاء على الفاسدين، وجلب المتهربين من دفع حق الدولة، ومن يحاولون لىَّ ذراعها لتحقيق مصالحهم، غير عابئين بأن مصلحتهم فى استمرار الدولة مرفوعة الهامة، لا منحنية الظهر، من أجل حصولهم على المزيد من المكاسب.

الدولة تحتاج إلى الانتصار للسواد الأعظم من أبنائها، الذين وقفوا، ولا يزالوا يقفون، فى ظهرها، وليس مساندة حفنة من المنتفعين، وأصحاب الأبواق الملتحقة بالركب، ممن يزاحمون بالحناجر والمناكب للخدمة فى البلاط، ولو على حساب الفقراء والبسطاء من أهلنا الصابرين على الشدائد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved