فقه الأولويات فى أزمة الامتحانات

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الثلاثاء 28 يونيو 2016 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

طوال الأيام الماضية كنت أتناقش وأتجادل مع العديد من الزملاء والأصدقاء داخل وخارج «الشروق» بشأن الخطوة الفورية الواجب اتخاذها من قبل الحكومة لوقف مهزلة ما يحدث فى امتحانات الثانوية العامة من تسريب لمعظم المواد قبل وأثناء إجرائها.

رأى غالبية الزملاء أنه يجب إقالة وزير التعليم الهلالى الشربينى فورا لإخفاقه الكامل فى السيطرة على الوضع، الأمر الذى اساء إلى سمعة الوزارة والحكومة والرئاسة، بل والبلد بأكملها، وأظهرها باعتبارها فاشلة وعاجزة أمام مجموعة من شباب الإنترنت أو بضعة لصوص داخل الوزارة احترفوا تسريب الامتحانات، إما طمعا فى المال أو للإساءة للحكومة.

لا أجادل فى مسئولية وزير التعليم باعتباره على رأس الوزارة وينبغى أن يتحمل المسئولية إن آجلا أو عاجلا. خلافى فقط فى ضرورة النظر إلى الموضوع بصورة شاملة حتى لا يؤدى اتخاذ قرار سريع او عاطفى أو بحسن نية إلى مفاقمة الأزمة، بدلا من حلها.

سنفترض أن رئيس الجمهورية ومعه الحكومة اتخذا قرارا الآن بإقالة وزير التعليم لامتصاص غضب الشارع الغاضب والثائر واليائس، ولإرضاء طلاب الثانوية الذين تفاجأوا بتسريب الامتحانات، الأمر الذى جعل حسابات معظهم تتلخبط وتركيزهم يقل، وفترة امتحاناتهم تطول.

فى حال اتخاذ هذا القرار، سيهدأ كثيرون، ويشيدون به، لكن تخيلوا وفى اليوم التالى ان الامتحان الجديد قد تسرب بنفس الطريقة الحالية. إذا حدث ذلك ــ وهو قابل للحدوث جدا ــ فماذا ينبغى على رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أن يفعلا؟!.

هل يفترض أن تتم إقالة وزير التعليم الجديد أيضا، أم ماذا؟!

الإجابة بطريقة أخرى هى: هل تتذكرون الطريقة التى تمت بها إقالة محافظ الإسكندرية السابق هانى المسيرى لامتصاص غضب الرأى العام احتجاجا على الكارثة التى تسببت فيها الأمطار والسيول بالمحافظة؟!. يومها تم تحميل كل المسئوية للمحافظ، ثم فوجئنا بعد أيام قليلة بأن الأمطار انتصرت للمحافظ المغضوب عليه، وانهمرت مرة ثانية وأغرقت محافظة الإسكندرية، بل ومحافظة البحيرة أيضا، ولم يكن ممكنا بالطبع إقالة المحافظ الجديد أو من كان قائما بعمله. والسبب البسيط أن مثل هذه الأزمات بنيوية وهيكلية وجذرية، ومتعلقة أساسا بطريقة عمل وذهنية تفكير، ومحليات يستوطن فيها الفساد ويتجذر ويتعملق منذ سنوات طوال.

حل مثل هذه النوعية من الأزمات، ليس بإقالة وزير أو مسئول أو حتى كل المسئولين. لو كان الأمر كذلك، لكان سهلا ومريحا.

أرجو ألا يفهم هذا الكلام باعتباره دفاعا عن الدكتور الهلالى الشربينى، فتقديرى مرة أخرى أنه يتحمل جانبا كبيرا من المسئولية، التى أوصلتنا إلى الحال البائسة التى نحن عالقون فيها الآن. لكن الموضوع أكبر كثيرا من الشربينى وكذلك من رئيس الوزراء شريف اسماعيل، بل ورئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى شخصيا. لأنه لو كان فى قدرة أى منهم أو غيرهم، لكان من الطبيعى أن يتم حل المشكلة فورا.

بطبيعة الحال لابد من اتخاذ إجراءات عاجلة على الأقل لمنع تفاقم المشكلة من قبيل تغيير المطبعة وتغيير كل المسئولين المرتبطين بعملية الامتحانات، لكن اذا كنا نريد فعلا حلا حقيقيا للمشكلة، فعلينا أن نتوقف عن الانفعالات والعواطف ونتكلم «بجد» بعيدا عن «اللت والعجن والهرى».

جوهر الأزمة لا يتعلق بوزير أو مساعديه أو مجموعة من المسربين الباحثين عن أموال أو إحراج الحكومة والدولة بأكملها سياسيا. نحن ندفع يا سادة الآن الثمن الحقيقى للفساد الذى تم طوال عهد حسنى مبارك. ندفع ثمن انهيار التعليم وبؤس حال التلميذ والمدرس والمنهج والأبنية التعليمية والفصول المكتظة مقابل «السناتر المتكدسة»، وأولياء أمور يدفعون آلاف الجنيهات للمدرس الخصوصى و«السنتر»، لكنهم لا يرضون بدفع ألف جنيه للمدرسة كى تحسن من الوضع المتدهور. نحتاج قرارا وطنيا شاملا بمواجهة جوهر أزمة التعليم، لكن ذلك يحتاج نقاشا مجتمعيا حقيقيا وإمكانيات مادية وكفاءات.. أما غير ذلك فهى مجرد مسكنات وقتية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved