بلد شهادات.. مضروبة

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الثلاثاء 28 يوليه 2009 - 7:31 م بتوقيت القاهرة

 قبل شهور قليلة ذهبت إلى مركز طبى شهير يقع فى أول شارع فيصل بالجيزة، لكى أستخرج شهادة طبية تفيد بأننى لائق لاستخراج رخصة لقيادة السيارات، خصوصا فيما يتعلق بسلامة النظر، وهو أمر مفهوم، ثم «الباطنة» ولم أعرف العلاقة بين القيادة أو السواقة والباطنة.

دخلت المركز متهيئا للفحص، أخذت منى الممرضة بياناتى ودونتها فى ورقة، وكذلك مبلغ عشرين جنيها على ما أتذكر، وطلبت منى الانتظار.

بعد حوالى ربع الساعة نادت الممرضة على اسمى، فاعتقدت أن دورى فى الفحص قد حان.. لكنى فوجئت بأنها تعطينى شهادة مختومة وموثوقة، بأن نظرى ممتاز وأن سائر وظائفى الحيوية تعمل بمنتهى الكفاءة بما يؤهلنى لقيادة قطار وليس سيارة 800 سى سى.

ولأننى كنت بعيدا عن مصر لسنوات فقد اعتقدت أن هناك خطأ ما فى الأمر.. فأخبرت الممرضة.. فنظرت إلىّ، نظرة غريبة وكأننى أبله.. طالبة منى بكل أدب أن أنصرف.. فهذه هى الشهادة وذلك هو النظام.

عندما أخبرت الأصدقاء عن الأمر نظروا إلىّ بدورهم نفس نظرة الممرضة.. فما فعله المركز الطبى ليس أمرا شاذا، بل ذلك هو النظام المعمول به فى أماكن كثيرة فى بلدنا الحبيب.

تذكر هذه القصة واسترجاعها أمر مفيد ونحن نتابع تصريحات المسئولين عن الصحة هذه الأيام وهم يتحدثون عن الشهادة الطبية التى يفترض على الحاج أو المعتمر الحصول عليها قبل توجهه إلى السعودية لأداء المناسك.

الدكتور حاتم الجبلى قال قبل يومين إنه فى حالة ثبوت أى تلاعب فى الشهادة فسوف يحال الطبيب للمحاكمة الجنائية بتهمة التزوير، وستكون هناك مسئولية واضحة على المستشفى، مضيفا أن الشهادة ستكلف صاحبها ما بين 250 إلى 400 جنيه.

مع التقدير الكامل لهذه النوايا الطيبة للوزير، لكن السؤال: ما الذى يمنع تكرار ما يحدث بشأن شهادة قيادة السيارات مع شهادة الحج؟.

المؤكد أنه لا شىء.. لأننا لو كنا فعلا مجتمعا يحترم نفسه ويفكر بعقله، لما سمحنا قبل ذلك والآن بأن نعطى شهادة لأى شخص يطلبها تعطيه تصريحا مجانيا بالقتل على الطرق السريعة والبطيئة.. أليس قتل الناس فى حوادث السيارات مساويا إن لم يكن أسوأ لنقل فيروس إنفلونزا الخنازير إليهم؟.

المشكلة ليست فى المستشفيات أو نوايا الوزير، بل هى فعلا فى «السيستم» بأكمله، ولذلك فأغلب الظن أن غالبية الحجاج والمعتمرين سيحصلون على شهادات تثبت سلامتهم، بل وسلامة أقاربهم حتى الدرجة الرابعة وخلوهم من إنفلونزا الخنازير والطيور والحمير والكلاب وسائر الحيوانات.

سينتهى الأمر عمليا بحصول الوزارة على مبلغ لا بأس به من المال يكون حاصل ضرب عدد الحجاج والمعتمرين فى 400 جنيه.. أليس ذلك «بيزنس» رابحا.. وحلالا على الطريقة الإسلامية؟!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved