بناة الجسور فى «ريمينى»

سيد محمود
سيد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 28 أغسطس 2018 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

كنت ضيفا للمرة الثانية على منتدى ريمينى للصداقة بين الشعوب الذى يعقد فى إيطاليا سنويا منذ 39 عاما وتنظمه جماعة «شراكة وتحرر عظيم» وهى من الجماعات التى تدعم التوجهات الإصلاحية لبابا الفاتيكان فرانشسيكو وتدعم انفتاح المجتمع الإيطالى على الديانات والثقافات الأخرى.

والميزة الرئيسية لهذا المنتدى الذى استمر لأسبوع كامل، لا تكمن فقط فى إصرار منظميه على بث خطاب التسامح، وإنما السعى المتواصل للبحث عن صيغة حول مكانة الدين فى المجتمع المعاصر.

وداخل المنتدى هناك سعى جبار للعمل على استقطاب الشباب للحضور أو المشاركة التطوعية فى التنظيم ليكون جزءا فاعلا فى هذا السعى.

وريمينى مدينة ساحلية جاذبة بفضل طابعها البحرى الذى يشبه بورسعيد ورأس البر فى سنوات العز، فضلا عن تمتعها بخاصية استثنائية لكونها مدينة المخرج الشهير فيديريكو فيللينى الذى خلدها فى فيلمه الشهير «أماركورد» أو «أنى أتذكر».

وفى ظل تحديات كثيرة ترتبط بملفات الهجرة غير الشرعية فإنه من الطبيعى ظهور هواجس داخل المجتمع الإيطالى بشأن هذا الملف الذى يشغل منظمى المنتدى ويبحثون سنويا على صيغة لتناوله فى إطار البرنامج تحترم مساعى الحركة ودأبها فى احترام الخصوصيات الثقافية وحماية حق الاختلاف والسعى لتفعيل ما يسميه إدوارد سعيد «الهجنة الثقافية» أى الهويات المتفاعلة وليس الهويات القاتلة.

وهذا العام بدأ المنتدى بمحاكاة درامية فى صورة جلسة قضائية تنظر دعوى تقدمت بها فتاة محجبة فقدت وظيفتها فى واحدة من الشركات الخاصة بسبب ملبسها الذى كان البعض يراه «ملبسا دينيا».

وانتهت المحاكمة التى عرضت لآراء كل الأطراف إلى حقها فى العودة للعمل طالما أنها التحقت به وهى ترتدى نفس الزى، أى أنها كانت مقبولة من أصحاب العمل ولم يطرأ فى حياتها ما يغير صيغة التعاقد.

وبعيدا عن إشكالات هذا الموضوع المعقد أصلا كانت الرغبة فى واضحة فى تناول جذاب لموضوع أشكالى، والحفاظ على حق كل طرف فى التعبير عن رأيه ولكن فى إطار منظومة قانونية تراعى أولا وقبل كل شىء الطابع المدنى العلمانى للدولة الإيطالية قوانينها ودساتيرها، وتفسح المجال للتصورات الأخرى وتضعها فى الاعتبار.
وهذا أيضا ما استهدفه المنتدى بدعوة الدكتور محمد العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامى ووزير العدل السعودى السابق للحديث فى جلسة بعنوان «بناة الجسور» أدارها باقتدار الباحث المصرى د. وائل فاروق.

ويشغل العيسى منصبا مهما فى هيئة كبار العلماء فى السعودية فهو أحد مهندسى ما يسمى بـ«الإصلاح» حيث سمح لأول مرة للمرأة السعودية بالحصول على رخصة مزاولة لمهنة المحاماة وهو أيضا أحد من وقفوا وراء حقها فى قيادة السيارات لذلك قدم فى ريمينى خطابا متوزانا إلى حد كبير بصفته الجديدة حيث تحدث عن العدالة وحقوق الإنسان وعمل الرابطة فى التدخل الإنسانى وساهم بخطابه فى تهدئة الأصوات التى اعترضت على مشاركته باعتبارها خطوة فى شراء «المنتدى» و«أسلمته» وانطلقت تلك الأصوات من صحف وجماعات يمينية تريد محاصرة المجال العام وإغلاقه فى حين يسعى منظمو ريمينى إلى العكس بأمل الوصول لمجتمع «متعدد الأصوات»، لا يعتنى فقط بتجنب صدام الثقافات وإنما يريد كذلك فض الاشتباك بين الدين والعلم الذى يحظى بمساحة كبيرة داخل منتدى ريمينى سواء بتناول قضايا علمية عبر حاصلين على جوائز نوبل للعلوم أو عبر تناول لقضايا فلسفية عميقة حول العمارة وحركة التاريخ وعمل الذاكرة التاريخية انطلاقا من أحداث مايو 1968 الشبابية التى لم يهتم أحد هنا بالحديث عنها لأنها تنكأ الجرح وتجدد السؤال.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved