فى انتظار «مانديلا» المصرى

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 29 يناير 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

من منا لم يحلم فى هذه الظروف العصيبة بنلسون مانديلا أو المهاتما غاندى أو حتى مهاتير محمد؟ الزعيم الملهم الذى يأخذ بيديه زمام الفوضى والانقسام والصراع بين أبناء الوطن، فيجمع الشتات ويوحد الصفوف ويحشد الجماهير من أجل تحقيق نهضة حقيقية. لماذا يكون هذا الزعيم الجبار من نصيب جنوب أفريقيا والهند وماليزيا ولا يكون من نصيبنا؟ وكيف يمر عامان على ثورة أبهرت العالم وكانت مثلا فى السلمية ولا يخرج من رحمها هذا القائد والزعيم الذى نستحقه؟

 

هل لأن ظروفنا أصعب من غيرنا؟ لا أظن ذلك. الوضع الأمنى تعيس ولكنه لا يقارن بما كانت عليه جنوب أفريقيا فى مطلع التسعينيات، والصراع بين ألتراس أهلاوى وألتراس النادى المصرى قبيح ولكنه بالتأكيد لا يزيد عما كان عليه الصراع العرقى بين الأغلبية السوداء والأقلية البيضاء، ومشكلاتنا الاجتماعية عميقة ولكنها قطعا ليست أسوا مما عرفته الأحياء السوداء الفقيرة وقتئذ. ظروفنا من كل الجوانب أفضل بكثير من جنوب أفريقيا من ربع قرن، ومن ماليزيا من ثلاثين عاما، وبالتأكيد من الهند من ستة وستين عاما.

 

مع ذلك فإننا بحاجة اليوم إلى مانديلا المصرى لأن مانديلا الأصلى أدرك منذ اللحظة الأولى، قبل حتى أن يخرج من محبسه، أن السبيل الوحيد لإخراج البلد من العنف ومن صراعه العرقى ومن الكابوس الاجتماعى الذى كان مسيطرا عليه هو توحيد الشعب وراء مشروع واحد وإقناع الجماهير بأن لهم جميعا ــ رجالا ونساء، سودا وبيضا، أغنياء وفقراء ــ مصلحة مشتركة ومستقبل واحد، وأنه لا أحد منهم ولا طائفة ولا جماعة ولا عشيرة يمكنها أن تخرج منتصرة بمفردها، وأن النصر إما أن يكون لصالح المجتمع كله أو لا يكون لأحد. كذلك كان مشروع غاندى هو الاستقلال عن بريطانيا ثم تحقيق المساواة فى أكثر المجتمعات طبقية وتمييزا فى التاريخ المعاصر. ومشروع مهاتير محمد كان الانطلاق نحو التنمية الاقتصادية لتوحيد شعبه الفقير آنذاك والمنقسم عرقيا وطبقيا. أما فى البرازيل فكان مشروع رئيسها السابق «لولا دا سيلفا» هو تقديم نموذج جديد وناجح للعدالة الاجتماعية.

 

لو كان مانديلا معنا اليوم لربما قال لنا إن البلدان المنقسمة لا تتقدم وأنه لا اقتصاد سينمو ولا أمن سوف يستتب ولا عدالة ستتحقق فى غياب مشروع وطنى يجتمع عليه المصريون. لو كان معنا اليوم لربما نصح رئيس جمهوريتنا بأن يكون رئيسا لكل المصريين وبألا يتصور أن أغلبية انتخابية تبرر انفراده وجماعته بالحكم، ولذكره بأنه شخصيا ــ أى مانديلا الأصلى ــ قد جاء منتخبا بأغلبية ساحقة كان بإمكانها أن تسيطر على كل مفاصل الدولة وعلى كل مسمار فيها ولكنه مد يده للأقلية البيضاء التى اضطهدته واضطهدت أبناء عرقه عشرات السنوات لأنه أدرك أن اتحاد الشعب وراء هدف واحد هو السبيل الوحيد للتقدم. ولو كان بيننا لربما خرج علينا لكى يناشد جماهير كرة القدم أن تعود إلى صوابها وأن تدرك أن القصاص لا يتحقق بعدد أحكام الإعدام ولا بمزيد من القتلى والجرحى فى الشوارع بل يتحقق أولا بمعرفة المسئول عن مذبحة استاد بورسعيد وغيرها من المذابح ومعرفة المحرض والمستفيد، ولدعا لرفع الحصار عن مدن القناة وللتوقف عن عقاب مدينة بأسرها إرضاء للرأى العام. ولو كان مانديلا معنا لربما التفت أيضا إلى المعارضة المصرية ونصحها بألا يأخذها الصراع على السلطة عن الالتفات أيضا إلى معاناة الناس ومشكلاتهم اليومية ويأسهم من المشهد السياسى التعيس.

 

قد يكون زمن مانديلا وغاندى قد ولى ولن يعود. لم يعد نموذج القائد التاريخى الذى يأتى على حصان أبيض أو على أكتاف الجماهير أو فى نهاية مسيرة عبر البلاد مناسبا لعصر الإنترنت والتويتر، فلا داع لانتظار مانديلا المصرى أو البحث عنه فى الوجوه السياسية المعروفة. القائد الأوحد حل محله فى العصر الحديث الفكرة الجامعة، والمشروع الوطنى، والرؤية التى يجتمع عليها الناس. والمشروع المصرى المطلوب اليوم هو مشروع بناء الدولة الحديثة: مشروع التوافق على مسار سياسى لا لينفرد بتحديده الحزب الحاكم وحده، وإقامة دولة القانون والقضاء المستقل، والاتفاق على مفهوم جديد للعدالة الاجتماعية، وترسيخ المساواة بين المواطنين. لا شىء أخر يهم لأن الاقتصاد والأمن والمرور والصحة والتعليم وغيرها من المشكلات لن تجد طريقها إلى الحل إلا متى اتفق الناس على أمر واحد فقط، وهو ضرورة الاتفاق أصلا.

 

هل الحوار الذى دعا إليه الرئيس مع الأحزاب السياسية هو السبيل لذلك؟ لا أظن ذلك، ليس لأن الحوار مرفوض ولا لأن الدعوة فى مقر الرئاسة ولا لأن جدول الأعمال غير معروف. ولكن الحقيقة أننا أمام واقع جديد، وأن الصراع على الأرض لم يعد يؤثر ولا يتحكم فيه لا الرئيس ولا الأحزاب السياسية ولا الشخصيات العامة المدعوة للحضور. الموضوع خرج من يد أهل السياسة والأحزاب جميعا وصار بيد قوى اجتماعية متنوعة ومؤثرة وكلها غير ممثلة فى الصراع الدائر على السلطة. فكيف يكون هناك مشروع وطنى يجتمع عليه الناس إذا كان الناس غير ممثلين فى الحوار أصلا؟

 

نحن بحاجة اليوم إلى حوار فى المجتمع مع القوى الاجتماعية الرئيسية والفاعلة قبل أن يكون حوارا بين الحكم والمعارضة، ونحتاج إلى مشروع بديل يخرجنا من هذا المسار الذى سيؤدى بنا بلا شك إلى مزيد من الاقتتال ولن ينتهى إلا باستبداد جديد. مانديلا اليوم لم يعد شخصا بل مشروعا وحلما يقتنع به الناس ويصدقون أنه قابل للتحقيق ويقبلون التضحية من أجله. فهل يأتى هذا المانديلا أم نستمر فى مسارنا الانتحارى؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved