شيطنة الشعب الفلسطيني وتجريده من إنسانيته في الخطاب الشعري الإسرائيلي
يحيى عبدالله
آخر تحديث:
الإثنين 29 يناير 2024 - 7:35 م
بتوقيت القاهرة
تفاعل الشعراء الإسرائيليون، منذ اليوم الأول للحرب، فى السابع من أكتوبر 2023م، مع أحداثها، وأنتجوا كما وافرا من القصائد، يسمح ببلورة صورة واضحة فى هذه النقطة، أبرز معالمها، شيطنة المقاوم الفلسطينى وتجريده من إنسانيته، مع اتهامه بقتل الأطفال، واغتصاب النساء، والحرق، والتدمير؛ وقد حذوا فى ذلك حذو جُل الساسة الكبار فى إسرائيل، الذين وصفوا عناصر حماس والمقاومة، بأنهم «وحوش»، تارة، و«حيوانات بشرية»، تارة أخرى؛ ومما يسترعى النظر، أن هذا نعت الفلسطينى بأنه «وحش بشرى»، نعْتٌ مستمد، بحذافيره، من سفر التكوين (16ـ 11): «وقال لها ملاك الرب (أى لـ هاجر): ها أنت حُبلى فتلدين ابنا وتدعين اسمه اسماعيل، لأن الرب قد سمع لمذلتك. وإنه يكون إنسانا وحشيا، يده على كل واحد، ويد كل واحد عليه، وأمام جميع إخوته يسكن».
وتسبق صفة الوحشية ـ فى التركيب النحوى العبرى بالآية التوراتية ـ كلمة الإنسان ـ الموصوف ـ على عكس القاعدة النحوية الدارجة فى العبرية، التى تلى فيها الصفة الموصوف، كما فى اللغة العربية، بمعنى، أن اسماعيل ـ أبو العرب ومنهم الفلسطينيون ـ وحش فى هيئة إنسان. وتكمن الخطورة، فى أن الشعر مادة باقية، قد تُدرج ضمن مناهج التعليم، فتتغذى عليها أجيالٌ تلو أجيال، وقد تكون مادة للبحث والدراسة الأكاديمية، ومن ثم تبقى مادة مستمرة، ومتداولة. توفر الإطلالة الشعرية، فى نظرى، زاوية أخرى من زوايا النظر إلى المشهد الكلى العام للحرب.
●●●
تناولت قصائد عديدة مسألة قتل الأطفال، أو سبْيهم، أو ترويعهم، منها قصيدة: «نقوم إلى الصلاة لتذكيرك بأن اسمك الرحمن» (بكول، سيرلوئى، «هاآرتس»، 17/10/2023م)، التى تقول بعض سطورها: «فى نومى يبكى أطفال موتى/ لا أستطيع غوثهم»؛ ومنها قصيدة: «المصيبة التى ألمت بشعبى» (تسور، إرليخ، «ماكور ريشون»، 24/10/2023م)، التى يتحدث فيها الشاعر عن الرعب الذى انتاب الأطفال، وعن اختبائهم فى الدواليب: «كيف أستطيع وقد رأيت/ وسط الرعب/ أيتاما/ اختبأوا فى الدولاب»؛ ومنها، قصيدة: «اقتراح» (أفيشاى حورى، «هاآرتس»، 31/10/2023م)، التى تردد فيها الأنا الشاعرة، ما ردده الرئيس الأمريكى، جو بايدن، ثم اعتذر عنه، لاحقا، وما ردده من قبله، وما يزال، ساسة إسرائيليون حول قطع رءوس الأطفال الرضع: «الرحمن سيرسل لنا شفاء تاما/ سيعيد رءوس الرضع إلى مكانها/ سيعيد الزمن إلى الوراء/ سيوقفه عند السادسة وثمانى وعشرين دقيقة من صباح يوم السبت/ السابع من أكتوبر عام ألفين وثلاثة وعشرين»؛ ومنها قصيدة النثر: «رسالة إلى كل أطفالنا» (ميئيرا، برنياع، «معاريف»، 20/11/2023م)، التى تعقد مقارنة بين خطف الأطفال على أيدى النازيين إبَّان «المحرقة» واحتجازهم فى غزة، وتوجه رسالة إلى كل الأطفال المخطوفين، تدعوهم فيها إلى التشبث بالأمل، وإلى تفعيل حاسة التخيل، للتغلب على المحنة: «أيتها الطفلات والأطفال الأعزاء، الرائعون / أريدكم أن تعرفوا أن الجميع هنا يفكرون فيكم، ويحبونكم»/ (...) «جدتى، جدتى شوشانا طيّب الله ذكرها، / حكت لى أن ما أعانها على مواجهة الأوقات الصعبة للغاية فى حياتها/ هو الخيال/ جدتى شوشانا/ كانت فتاة فى مقتبل العمر إبَّان «المحرقة»/ حين تغير كل ما كانت تعرفه، / حين تقوض كل ما عرفته./ فى لحظة ما رأت جزءا كبيرا من أبناء أسرتها يُقتلون، / وفى اللحظة التالية اقتيدت من بيتها على عجل/ ليس معها أى شىء، / بدون حذاء حتى فى رجلها، / إلى مكان بعيد/ لا يُطاق/ مكثت فيه فترة طويلة./ فى الليالى الباردة التى لا تنتهى/ اعتادت أن تغمض عينيها/ وأن تتخيل كل ما سيحدث لها فى اليوم التالى./ تخيلت كل شىء بأدق التفاصيل، / وبذا استطاعت أن تبقى على قيد الحياة، / تشبثت بالأمل./ عرفت أنها ستنجو، / تخيلت اللحظة التى ستقابل فيها أبناء/ الأسرة ممن نجوا».
●●●
فى إطار شيطنة المقاوم الفلسطينى، ونزع الصفة الإنسانية عنه، تناولت قصائد عديدة، مسألة التعامل مع النساء، من زوايا عديدة، من بينها: الخطف، وانتزاعهن من أَسرَّتهن، وبقر بطون الحوامل منهن، وتقطيع الأوصال وتشويهها، وترميل النساء، وغيرها من الصور الشعرية، شديدة الوحشية؛ ففى قصيدة: «كل النساء مستيقظات فى البيوت» (مريام، جولان، «هاآرتس»، 24/10/2023م)، تتحدث الشاعرة عن انتزاع النساء من أَسرَّتهن وهن شبه عاريات بملابس النوم، مخاطبة المغنى الإنجليزى المعروف، بريان ماى، قائلة: «كيف ستتحدث بلغتك الرقيقة/ وهى تعزف على نباح الكلاب/ ذات الرءوس المثلثة/ إننى أفعل كل شىء كيلا أفكر فى ذلك/ لقد انتزعوا امرأة حافية ترتدى بيجاما/ بلا سوتيان/ من السرير، فى صباح السبت/ رجلان عن يمينها وشمالها وهى/ تخطو على أطراف أصابعها/ فوق الأسفلت/. (...) كل النساء مستيقظات».
وفى قصيدة: «المصيبة التى أحلت بشعبى» (تسور، إرليخ، «ماكور ريشون»، 24/10/2023م)، إشارة إلى بقر بطون الحوامل، وتقطيع أوصال الأحياء وتشويهها قبل حرقهم: «كيف أستطيع وقد رأيت/ وسط الرعب/ مَن بقروا (بطون) الحوامل/ من شوهوا أوصال/ الأحياء قبل حرقهم/ حمراء هى الأيام».
●●●
من ناحية ثانية، خلعت القصائد على المقاوم الفلسطينى نعوتا عديدة بشعة، منها، أنه: مسخ، وثور نطَّاح، وذئب، وروح خبيثة شريرة، وسفاح، ومخرب، وعاهر، وجبان، وحيوان مفترس، وأرنب شرير، وانتهازى جبان...إلخ؛ ففى قصيدة: «البحر نفس البحر» (تسور، إرليخ، «ماكور ريشون»، 20/10/2023م )، يوصف الخصم بأنه «بربرى»، و«ثور نطاح»، و«ذئب»: «التهديد على أعتابك، / يا إسرائيل، / تحقق بالفعل/ (...) لأننا خبرنا: الجهاد/ لأننا جرَّبنا: بربريين/ إنه ثورٌ نطاح/ من دم المذابح نزفت/ ملابسه واصطبغت باللون الأحمر/ (...) الذئب ـ هو الذئب».
وفى قصيدة: «حضن عم» (تسور إرليخ، «ماكور ريشون»، 20/10/2023م)، يُوصف الخصم بأنه «روح خبيثة شريرة»: «كيف نبيد الروح الخبيثة/ الشريرة/ بهذا الشكل؟»؛ وفى قصيدة: «السابع من أكتوبر» (أغنية، لمطرب يُدعَى، «إيزى»، نقلا عن اليوتيوب)، يوصف المقاوم الفلسطينى بأنه «ابن عاهرة، وجبان، ووحشى»: «شعر ابن العاهرة بالأمس بأنه بطل./ لكن ابن العاهرة يفر الآن/ (...) كل من يرحم الوحشيين مآله/ أن يستوحش على الرحماء/ هذا ما قاله حاخاماتنا، طيب الله ثراهم/ ليس أنا (من قال)».
وفى قصيدة: «على الأرض» (تسور، إرليخ، «ماكور ريشون، 3/11/2023م)، يوصف المقاوم الفلسطينى بأنه «شيطان، وحيوان قاتل، وانتهازى يستغل آلام المرضى، وأرانب شريرة»: «على الأرض، على الأرض/ على الأرض التى ذاقت الذل/ من جحور(أنفاق) صنعها الشيطان/ (...) من جحور حيوانات قاتلة/ (...) حتى أسفل مدينة قصية/ صوّب القتلة (النار) من باطنها، / من باطنها، من تحت (مستشفى) الشفا/ محتمين بآلام المرضى/ (...) سوف ينتزعون من (مستشفى) الشفا/ من الأوكار، أرانب شريرة».
وفى قصيدة: «سطور إلى طفلة مخطوفة» (شلوميت آسيف، «معاريف»، 20/11/2023م)، يوصف المقاومون الفلسطينيون ـ فضلا عن اتهامهم بخطف الأطفال ـ بأنهم حيوانات مفترسة هربت من الغابة، وأشرار وظلاميون، وأعداء للنور: «ارتبك العالم، أيتها الطفلة/ حيوانات مفترسة هربت من الغابة/ وحجبت الحياة والنور/ الشمس أيضا خجلى انقضى وقتها/ أعرف أنك فى مكان ليست فيه شمس/ مكان تسكنه الظلمة والشر».
وتتهم قصيدة: «من يسقى أُصص مُطلَّقتى التى أحرقت» (يسرائيل، نيطع، «هاآرتس»، 14/11/2023م )، المقاومين الفلسطينيين بأنهم أحرقوا الأشجار المزهرة. يقول المتحدث، مخاطبا مطلَّقته، التى قضت فى السابع من أكتوبر: «عبر نافذتك/ تُبَدل شجرة زهور الجنة/ فى الصباح/ خلف العُشب النامى/الأوضاع مع سطح القرميد ببيت الجدات/ تشتعل شجرة زهور الجنة فوق بيت الجدات القديم/ ماذا ننقذ من الحريق: بضع كلمات عن الحب، همستين أو ثلاثا/ عبر نافذة فى الليل»...؛ والأمر، نفسه، فى قصيدة: «أَسمع إلها يبكى» (رونى، إلداد، «هاآرتس»، 7/11/2023م)، التى تتهم المقاومين بترويع الطيور، والرضع، وحرق دكاكين الزهور: «ماذا ترين: أرى بالونات طائرة/ وطيورا تصرخ، وريشا، ريشا على الأبواب/ وأبا يقود عربة لرضيعة، متجمدا فى منتصف الحركة/ ماذا ترين: نارا مشتعلة فى حانوت للزهور»؛ وفى القصيدة، نفسها، وصف للمقاومين بأنهم، حيوانات مفترسة، وبنات آوى: «ماذا ترين: لا أرى، أسمع إلها يبكى/ خلف شجرة عالية أو بين شجيرات/ وأما من لحم ودم فقط تحمى الفراخ، بين جناحيها/ تشرق رحمات كل العالم/ كيف افترستها/ أسنان حيوان ردى/ ما ترينه، أراه/ كنا غرباء/ اكتست الشمس تراب ملائكة/ غرستْ بنات آوى أسنانا فى حقولنا/ كل الأطفال مستيقظون/ لن ننام أكثر ذات مرة، / ظلمة الرب أيقظتنا».