مقاومة السلطوية الجديدة

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الأربعاء 29 أبريل 2015 - 10:10 ص بتوقيت القاهرة

ما عاد مقبولا أن ترهن القوى السياسية القليلة التى تعارض السلطوية الجديدة وترفض استتباعها وفقا لثنائيات الحماية ــ العوائد المعهودة دورها فى انتظار حوار يدعو إليه الحكم ويستمع فى سياقه بجدية لوجهات نظر المعارضين، أو فى انتظار انتهاء الدوائر الرسمية من إدخال تعديلات على القوانين الناظمة للانتخابات البرلمانية تحول دون تخليق برلمان مفتت يسيطر عليه الحكم ويديره المال الانتخابى وتغيب عنه الأجندة التشريعية والرقابية، أو فى انتظار إعلان جدول زمنى «حقيقى» لإجراء الانتخابات البرلمانية. فلا الحوارات تتسم بالجدية اللازمة، ولا التعديلات ستغير من البرلمان المفتت القادم، وليس للجداول الزمنية قيمة فعلية.

ما عاد مقبولا أن تستمر قوى المعارضة القليلة، ومعها الحركة الديمقراطية المصرية – المجموعات والأصوات المدافعة عن سيادة القانون والحقوق والحريات من خانات / هوامش مختلفة ودون إطار تنظيمى يجمع شتاتها، حبيسة وضعية الانتظار الدائم ونهج رد الفعل والممارسة اليومية «لإطفاء الحرائق» كلما اشتعلت بسبب تراكم المظالم وانتهاكات الحقوق والحريات وجرائم التعذيب – وإطفاء الحرائق هذا يظل ضروريا لمقاومة نزوع السلطوية الجديدة للقمع ولفرض الخوف على الناس ولتهجير المواطن والمجتمع المدنى المستقل بعيدا عن المجال العام ودونه تنهار المصداقية الأخلاقية والإنسانية، ويظل أيضا غير كاف للتأسيس لدور مجتمعى فعال وصياغة أجندة متكاملة لعمل المعارضة والحركة الديمقراطية.

دون تراجع عن إطفاء الحرائق، على المعارضة وعلى الحركة الديمقراطية الانفتاح على نقاش جاد وعلنى حول شروط وفرص إيقاف المظالم والانتهاكات، وسبل الانتصار لسيادة القانون وإنقاذ مرفق العدالة، وتفاصيل منظومة العدالة الانتقالية المراد تطبيقها لمحاسبة المتورطين فى الانتهاكات وجبر الضرر عن الضحايا.

دون تراجع عن إطفاء الحرائق، على المعارضة وعلى الحركة الديمقراطية البحث فى شروط وفرص مقاومة السلطوية الجديدة وطغيان الإدارة الأمنية لشئون البلاد، والسبل الفعلية لاستعادة مسار تحول ديمقراطى يضمن إنهاء الوضعية الاستثنائية للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، ويحيى السياسة من مواتها – والانتخابات البرلمانية القادمة حين تجرى وتشكيل البرلمان حى يتم والمداولات البرلمانية حين تبدأ لن تغير على الأرجح من الأمر شيئا، ويحقق تداول السلطة.

دون تراجع عن إطفاء الحرائق، على المعارضة وعلى الحركة الديمقراطية المزج بين العمل على هذه القضايا الكبرى وبين الاهتمام بتفاصيل القرارات والسياسات العامة والاشتباك الموضوعى معها – والشرط الجوهرى هنا هو اقتران النقد والتفنيد بصياغة قرارات وسياسات عامة بديلة وقابلة للتطبيق، وبين العمل على هذه القضايا الكبرى وبين الاقتراب اليومى من المواطن والاشتباك الإيجابى مع ظروفه المعيشية وقضاياه الاقتصادية والاجتماعية – والشرط الجوهرى هنا هو التواجد بين الناس والامتناع عن الاستعلاء على آمالهم المشروعة وأحلامهم البسيطة وهواجسهم غير السياسية، وبين العمل على هذه القضايا الكبرى وبين التضامن مع مؤسسات وأجهزة الدولة فى مواجهتها للإرهاب مع المعارضة المستمرة للعصف بسيادة القانون وبضمانات الحقوق والحريات والمطالبة بالدمج بين الأدوات العسكرية والأمنية وبين الأدوات التنموية والمجتمعية – والشرط الجوهرى هنا هو التعامل بموضوعية مع تحديات الإرهاب والعنف وأولوية تماسك الدولة الوطنية دون انجرار إلى مبالغات «الخطر الشامل» ودون تجاهل لها أو تقليل من أهميتها.

دون تراجع عن إطفاء الحرائق، على المعارضة وعلى الحركة الديمقراطية التفكير النقدى فى حالة القوى والمجموعات والأصوات الفاعلة بداخل سياقاتها، فى مقوماتها البشرية والتنظيمية أو بالأحرى فى الغيابات والنواقص الكثيرة التى تعانى منها، فى خطابها العلنى وسبل استعادة جاذبيته لقطاعات شعبية واسعة ومؤثرة، فى أدوات تجاوزها للتفتيت وللتشظى الراهن الذى يلحق الكثير من الأضرار بصورتها لدى الناس، فى محاذير الخلط بينها وبين أوهام المعارضة من الخارج – والتى تختلف جذريا عن ممارسة المصريات والمصريين المقيمين فى الخارج للحق الطبيعى والمشروع فى الاهتمام بالشأن العام والتعبير السلمى والحر والعلنى عن الرأى المعارض والناقد لما آلت إليه الأوضاع فى مصر، وهو الحق الذى يمتد بالقطع للمنظمات الحقوقية والمنظمات غير الحكومية المصرية العاملة فى الخارج التى تدين المظالم والانتهاكات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved