حالــــــــة مصــــــــــــر ــ المقدمــــــــــات

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الأحد 29 أغسطس 2010 - 10:18 ص بتوقيت القاهرة

 فى الدول الديمقراطية، عادة ما يمثل قرب إجراء انتخابات برلمانية أو رئاسية فرصة للنخب السياسية والفكرية وللرأى العام للقيام بكشف حساب مفصل لحاضر الدولة المعنية وإدارة حوار موسع حول إيجابياته وسلبياته وملامح المستقبل المنشود.

وكنت فى مقالات متفرقة سابقة قد عرضت لنواقص الحوار الدائر فى مصر وأشرت، ولم يعد يفصلنا عن الانتخابات البرلمانية 2010 سوى أشهر معدودة والقلق العام بشأن مستقبل المنصب الرئاسى وهوية المرشحين المحتملين فى انتخابات 2011 الرئاسية يتصاعد بصورة غير مسبوقة، إلى ضآلة المطروح من أفكار محددة حول حاضر مصر ومستقبلها وطغيان العموميات على حديث التغيير والإصلاح والديمقراطية والتنمية بشقيه الحكومى والمعارض.

أما اليوم، وفى مستهل سلسلة مقالات أخصصها لتناول «حالة مصر»، أترك خانة النقد لطرح ما أحسبه المفردات الرئيسية لكشف حساب حاضر مصر الدولة والمجتمع وأسئلة مستقبلنا الكبرى.

وأبدأ بتسجيل بعض الملاحظات الأولية حول المنهجية التى أعتزم الاعتماد عليها فيما خص كشف حساب الحاضر وتحديد أسئلة المستقبل، وكذلك رؤيتى لدور القارئ المصرى والعربى لسلسلة مقالات حالة مصر ونوعية التفاعل الذى أتمنى حدوثه بينه وبينى خلال الأسابيع القادمة:

نقطة الانطلاق الأولى فى طرح كشف حساب الحاضر هى مقارنة بين مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فى مصر عام 2000 وبين الأوضاع السائدة اليوم فى عام 2010. تشكل إذًا أعوام العقد الأول من الألفية الجديدة السياق الزمنى لكشف الحساب وأزعم أنها كافية لتقديم صورة موضوعية عن الحاضر المصرى.

ستحتوى المقالات القادمة على بيانات ومعلومات موثقة عن معدلات التنمية وإنتاجية القطاعات الزراعية والصناعية والخدماتية والزيادة السكانية والدين العام والتضخم والبطالة والفقر وغيرها من المؤشرات الاقتصادية فى عام 2000 وتقارنها بمؤشرات اليوم (والمقصود باليوم ووفقا للبيانات والمعلومات المتوفرة هو خليط من العام الحالى والعام الماضى وقبل الماضى) لرصد وتحليل مدى ومقدار ووجهة التقدم ــ التراجع فى الاقتصاد المصرى.

كما سيصار إلى تطبيق ذات المقاربة إن حين النظر فى القضايا الاجتماعية الكبرى كوضعية المرأة فى المجتمع والعلاقة بين المواطنين المصريين الأقباط والمسلمين وأمور شائكة كالختان وجرائم الشرف وغيرها، أو حين التعرض لشئون السياسة متمثلة فى تحديد النمط السائد على منحنى احتكار ــ توزيع ــ تداول السلطة ومدى سيادة حكم القانون ووضعية حقوق الإنسان وممارسة الحريات المدنية (بما فيها حرية المعتقد الدينى) والسياسية والإطار الدستورى والقانونى الناظم للتعددية والمنافسة السياسية وللعلاقة بين نظام الحكم والمعارضة بأطيافها المختلفة.

هنا أيضا ستقارن سلسلة حالة مصر بين عامى 2000 و2010 وترصد وتحلل مدى ومقدار ووجهة التقدم ــ التراجع فى الأوضاع الاجتماعية والسياسية.

أما نقطة الانطلاق الثانية فتتمثل فى البناء على المقارنة بين مجمل أوضاع عام 2000 وعام 2010 لبلورة تحليل لعوامل وأسباب التقدم ــ التراجع فى حالة مصر يركز على تفضيلات وسياسات نظام الحكم فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ويرصد بهذا السياق حدود الاستمرارية والتغيير خلال الأعوام الماضية ويبين مدى التطابق ــ التفاوت بين وجهة الخطاب الرسمى والوعود الرسمية وبين المنفذ من سياسات. وعلى الرغم من أن هذا لا يعنى أن سلسلة حالة مصر ستتجاهل تماما أدوار القوى والمنظمات غير الحكومية أو تغض النظر عن خصائص البيئة المجتمعية التى تم بها تحديد وتنفيذ التفضيلات والسياسات الحكومية أو تتكاسل عن إظهار التنازع والتجاذب بداخل نظام الحكم حول مضامين هذه التفضيلات وتلك السياسات، إلا أن التركيز على الفعل الحكومى يستمد صدقيته التحليلية من كون الإطار الدستورى والقانونى وواقع ممارسة السلطة دوما ما ضمنا لنظام الحكم الدور المركزى فى المجتمع وحافظا على هيمنته على جميع القوى الأخرى.

ثم تأتى نقطة انطلاق ثالثة هدفها مزج رصد وتحليل التقدم ــ التراجع فى أوضاع مصر الداخلية بين عامى 2000 و2010 ببحث فى التطورات التى استجدت على دورها الإقليمى ومكانتها الدولية فى ذات الفترة. والمؤكد هنا هو أن حدود التقدم ــ التراجع فى أوضاعنا الداخلية، شأننا فى ذلك شأن كل دول العالم، أثرت وتؤثر على ساحات ومضامين وفاعلية الدور الإقليمى والدولى. المؤكد أيضا هو أن الأعوام القليلة الماضية (تحديدا فى أعقاب الغزو الأمريكى للعراق وحرب إسرائيل على لبنان 2006 وحرب غزة 2008) شهدت تناميا لمقولة باتت غالبة فى مصر وفى محيطها العربى تقضى بأن دور «أم الدنيا» الإقليمى تراجع ــ تآكل ــ انكمش (إلى آخر كل ذلك من مفردات) وأن ماضى النفوذ المصرى أضحى حاضر النفوذ الإيرانى ــ التركى ــ السعودى (إلى آخر قائمة الدول والحركات التى يرى بها البعض اليوم بدائل لدور مصر) وأن هذا التغير السلبى ليس ببعيد كل البعد عن (التراجع المستمر) فى أوضاع مصر الداخلية. ستعرض سلسلة مقالات حالة مصر لتداعيات الأوضاع الداخلية على الدور الإقليمى والمكانة الدولية، ساعية لاختبار مقولة «التراجع المصرى» دون انحياز مسبق وباحثة أيضا فى التأثير العكسى للإقليم والعالم على أوضاعنا الداخلية.

بقيت، قبل التحول إلى رؤيتى لدور القراء، نقطة انطلاق رابعة وأخيرة تتعلق بكيفية تحديد معانى ومضامين التقدم ــ التراجع فى حالة مصر. أذكر القارئ هنا وبوضوح شديد بقناعاتى الليبرالية التى ترى فى تنمية متوازنة ومستقلة يقودها اقتصاد للسوق مسئول اجتماعيا وتضمن حدا أدنى من العدالة التوزيعية جوهر التقدم الاقتصادى، وفى العمل على المساواة بين النساء والرجال وبين المواطنين الأقباط والمسلمين وفى تطوير شبكات للرعاية الصحية والاجتماعية وخدمات تعليمية تواكب القرن الحادى والعشرين قلب التقدم الاجتماعى، وفى تداول السلطة وسيادة حكم القانون واحترام حقوق الإنسان وحريات كل المواطنين المدنية والسياسية أساس التقدم السياسى.

أما القراء الكرام، فى مصر ومحيطها العربى المهتم والمهموم بحالتها، فادعوهم إلى النظر إلى مقال اليوم والمقالات القادمة فى سلسلة حالة مصر على أنها منتوج جهد بحثى لا يدعى الكمال وليس لصاحبه إلا أن يستفيد كثيرا من تعليقات وتصويبات ومقترحات القراء الموضوعية والدقيقة. يحدونى الأمل فى أن تصبح سلسلة حالة مصر عنوانا لخبرة تفاعلية جديدة مع القراء تسهم فى إثراء الحوار حول حاضرنا ومستقبلنا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved