عن الخضيرى

مصطفى النجار
مصطفى النجار

آخر تحديث: الجمعة 29 نوفمبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

فى صباح يوم 25 يونيو 2010 وعقب استشهاد خالد سعيد كنا فى مكتب المستشار محمود الخضيرى بمنطقة سيدى جابر بالإسكندرية نرتب التفاصيل النهائية لاستقبال الدكتور البرادعى الذى أتينا معه لتقديم العزاء لأسرة الشهيد والمشاركة فى الوقفة الاحتجاجية عقب صلاة الجمعة بمسجد سيدى جابر، استقبلنا الرجل بحفاوة وحين اخبرناه أن الأمن قد فرض حصارا شديدا على المسجد مساء الخميس وأنه يستعد لحملة اعتقالات واسعة للمشاركين بالوقفة قال لنا: لا تخافوا ولا تلغوا وقفتكم ولا تغيروا مكانها لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، مهما بدا لكم أنهم أقوياء فهم أضعف مما تتخيلون وشجاعتكم وثباتكم أمل الناس فى التغيير.

الخضيرى كان رأس الحربة فى معركة استقلال القضاء فى عهد مبارك وكانت مواقفه الشجاعة زلزالا فى 2005 و2006 حين خرج على الدنيا ليعلن أن هناك تزويرا قد حدث بالانتخابات البرلمانية وأن قضاة مصر يتبرءون من هذا الإفك، دافع طيلة حياته عن استقلال القضاء وحدد مفهومه بأن يكون القاضى غير خاضع لأى شيء إلا ضميره والقانون، وأن يتحرر من أى ضغوط سواء كانت مادية أو معنوية وأن تكون إرادته حرة غير متأثرة بأى اتجاه سياسى.

•••

فى ثورة يناير وعقب بدء اعتصامنا بميدان التحرير انضم إلينا رغم كبر سنه وصعوبة ظروف الاعتصام فى البرد القارس، كان يبث الحماس فى نفوس الشباب ويقول لنا ان جدار الظلم يتصدع والطاغية يسقط، ثقوا بالله وبأنفسكم نحن على الحق والله ناصرنا.

لم يهرب الخضيرى يوم موقعة الجمل من الميدان مثلما هربت رموز سياسية أخرى ادعت الثورية بينما فرت فى ساعة الخطر ولاذت ببيوتها ــ وأحدهم كاتب شهير ومدعى ثورية وظهر على حقيقته مؤخرا ــ قال لمن اتصل به وطلب منه الحضور للميدان واستدعاء كل الرموز السياسية التى تركت الشباب وحدهم فى الميدان قال له: (الموضوع فيه دم وانا مليش فى الدم لما القصة تخلص هبقى آجى).. كانت قطعان البلطجية والمأجورين تهاجم الميدان بشراسة من كل الشوارع المحيطة ودارت معركة دامية استمرت منذ منتصف النهار حتى غروب الشمس ونجح الثوار فى منع بلطجية مبارك من اقتحام الميدان وفض الاعتصام كما كان المخطط المرسوم وتوالى سقوط عدد من البلطجية الذين يحملون أسلحة مختلفة تسببوا بها فى إصابة عدد كبير من المعتصمين فى يد الثوار وتم اقتيادهم إلى المكتب الشهير خلف المنصة الرئيسية للاعتصام لحمايتهم من الناس الذين كانوا يريدون الفتك بهم وتم التعرف على هويات بعضهم وهم يحملون كارنيهات للحزب الوطنى وعدد منهم كان يحمل كارنيهات جهات أمنية رأيناها بأم أعيننا وأخبرنا كثير من هؤلاء أنهم قد تم حشدهم بمقابل مالى دفعه بلطجية بأوامر من بعض نواب الحزب الوطنى ببرلمان 2010 المزور وتم تسليم هؤلاء للشرطة العسكرية عقب تصوير بطاقات هويتهم من قبل الصحفيين الموجودين بالمكان.

لم يتم تعذيب أحد ولا صعقه بالكهرباء كما يزعم الكاذبون بل تم حماية هؤلاء المجرمين من بطش الجماهير وغضبهم بإيوائهم فى هذا المكان عدة ساعات حتى تسلمتهم الشرطة العسكرية التى شكرت من قاموا بذلك لأنهم أنقذوا هؤلاء البلطجية من الموت على أيدى الناس.

•••

موقعة الجمل نفذها مجموعات من البلطجية تابعين لنظام مبارك وكانت المحاولة الأخيرة لفض الاعتصام عبر تصوير الأمر كأنه صراع بين مؤيدين ومعارضين للنظام وليس ثورة شعبية قررت إسقاط النظام.

محاولة تبرئة نظام مبارك من جريمة موقعة الجمل وإلصاقها بآخرين تمثل عهرا وتدليسا فجا لكنه ليس مستغربا فى زمن يطارد فيه اللصوص الشرفاء ويتربص به القتلةُ بالضحايا، الخضيرى الكهل المسن الذى لا يساعده بصره على رؤية أكثر من مسافة متر أمامه ويستند كثيرا على عصا يتكىء عليها ويعاونه من حوله على السير بسبب ظروفه الصحية يتهمونه بالتعذيب ويخطفونه من منزله كأنه لص هارب أو قاتل محترف، كيف تجرأت هذه اليد التى أصدرت قرار اعتقال شيخ ومعلم لها وأحد أنبل شيوخ القضاة فى مصر؟ كيف لم ير هؤلاء أن هذا إهانة لقضاء مصر وقضاتها، اختلفوا مع الخضيرى كما اختلفت معه شخصيا فى فترة زمالتى له بالبرلمان واختلفوا مع مواقفه السياسية التى رآها البعض انحيازا إلى الإخوان ولكن الحقيقة أنه يخطئ ويصيب لكنه لم يكن أبدا مجرما تسيئون اليه بهذا الشكل دون احترام لسن ولا تاريخ ولا مقام.

•••

تذكروا يا قضاة مصر أن الخضيرى انحاز للقضاء فى وقت جبروت الإخوان وقال إن الإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى هو سبب الفتنة فى مصر ورفض مظاهرات تطهير القضاء التى دعا لها الإخوان وقال إن القضاء سيطهر نفسه بنفسه دون تدخل من أحد وفى الأزمة الحالية نصح الخضيرى الإخوان بالعدول عن التمسك بعودة الرئيس المعزول وطالبهم بالتهدئة والبحث عن مخرج من مأزقهم الحالى، وبعدم تنظيم أى مظاهرات من أجل مصلحة مصر، نعم وقف الخضيرى على منصة رابعة وقال ما يعتقده ولكنه لم يفعل ما يستوجب مساءلته قانونيا بأى شكل.

إلى رءوس السلطة اعتقلتم الفتيات الصغيرات اللاتى حملن بالونات واليوم تعتقلون شيخا مسنا وقاضيا محترما بتهمة مضحكة ألا تستحون؟ ألا تعرفون ماذا سيكتب التاريخ عنكم؟ العدالة تتصدع والثقة تتلاشى والمعبد سينهار على رءوس الجميع، نحذركم ولا تسمعون ونذكركم ولا تتعظون فإذا ما درات عليكم الأيام فلا تبكوا!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved