ثورة يناير تدخل عامها الخامس.. السياسة الخارجية فى ثورة 25 يناير

السيد أمين شلبي
السيد أمين شلبي

آخر تحديث: الجمعة 30 يناير 2015 - 7:35 ص بتوقيت القاهرة

على مدى السنوات الأربع الماضية جرى جدل واسع بين الخبراء والمهتمين بالسياسة الخارجية المصرية حول قضاياها ومؤسساتها وأدواتها، ويجئ المؤتمر الذى دعا إليه الاستاذ جميل مطر بخبراته الدبلوماسية والأكاديمية الطويلة العميقة، لكى يلبى حاجة إلى بلورة وتطوير هذا الجدل.

ونتصور أن قاعدة هذا المؤتمر يجب أن تكون الاستعادة النقدية للسياسة الخارجية المصرية منذ ثورة 1952 وعهودها المختلفة وكذلك عقب ثورة يناير واذا ما كانت السياسة الخارجية للثورة فى عهود المجلس العسكرى والإخوان وثورة 30 يونيو كانت استمرارا أو انفصالا عن العهود السابقة. وابتداء فإن السياسة الخارجية لم تكن من شعارات ثورة يناير حيث طغت قضايا السياسة الداخلية التى تبلورت فى العيش، الحرية، والعدالة الانتقالية والكرامة الانسانية. غير أن السياسة الخارجية لم تلبث أن فرضت نفسها وخاصة حول احدى قضاياها المركزية وهى القضية الفلسطينية، ولذلك رأينا مظاهرات حاشدة أمام السفارة الإسرائيلية تندد بالاحتلال الاسرائيلى وممارساته ضد الشعب الفلسطينى.

•••

وبشكل غير مباشر كان من أهم نتائج ثورة 25 يناير بروز قوة الرأى العام المصرى وأنه لم يعد من الممكن تجاهله، اتصالا بذلك بدأ يتبلور مطلب استقلالية القرار المصرى ومعه تأكد إدراك تراجع الدور الإقليمى لمصر مع الانحياز للولايات المتحدة واختياراتها فضلا عن التسامح مع اسرائيل والارتباط معها باتفاقيات مثل الكويز وبيع الغاز المصرى.

لذلك لم يكن غريبا أن يستجيب أول وزير خارجية لمصر بعد الثورة د. نبيل العربى ويعلن، تجاوبا مع مطلب استقلالية القرار المصرى واستعادة الدور المصرى، ما يشبه بمبادئ جديدة كان من ابرزها اسلوب التعامل مع اسرائيل حيث اعتبر أن مصر سوف تحترم اتفاقيات السلام بالقدر الذى تحترمه اسرائيل، ودعا إلى إعادة تقييم العلاقات مع ايران، والى إعادة النظر فى الموقف من عدد من الاتفاقيات الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية ووقوف مصر الثورة مع الثورات العربية.

غير انه يبدو أن المجلس العسكرى المصرى، تصور أن الاوضاع الداخلية التى تمر بها مصر، لا تسمح بسياسة خارجية جريئة، ولذلك جاءت ممارساته فى إطار ثوابت السياسة الخارجية المصرية وتلقت الوفود والشخصيات الأمريكية والاوروبية الزائرة تأكيدات أن مصر سوف تلتزم باتفاقيات السلام مع اسرائيل (دون تحفظات)، وكذا بالتعاون الثنائى والإقليمى مع الولايات المتحدة.

وقد جاء نظام الإخوان المسلمين لكى يتبنى هذه الثوابت، وعمليا قدم نفسه للولايات المتحدة واسرائيل باعتباره الضامن لهذه الثوابت وبدا ذلك حينما نجح فى التواصل إلى اتفاق التهدئة بين حماس واسرائيل، وذهبت الوفود من شخصياته إلى الولايات المتحدة وعلى رأسها مستشار الرئيس للسياسة الخارجية لكى تؤكد للمؤسسات الامريكية حرص النظام على الصداقة والتعاون.

اما زيارات محمد مرسى لعدد من القوى الدولية، مثل المانيا وروسيا، لكى يعطى الانطباع بتوازن السياسة الخارجية، فإنها لم تستقبل بشكل جدى أو مقنع، كما جاء تعامله مع قضايا إقليمية مثل سد النهضة وسوريا متخبطا وغير مهنى.

•••

اما ما يمكن اعتباره تحولا جديا فى سياسة مصر الخارجية فقد جاء بعد ثورة 30 يونيو، وجاء فى الواقع نتيجة خبرة عملية مع القوة التى تعتمد عليها مصر خاصة فى المجال العسكرى، وهى الولايات المتحدة، حيث اوقفت امداداتها العسكرية للجيش المصرى وهو ما وصفه المشير، حينذاك، عبدالفتاح السيسى بـأن الولايات المتحدة قد أدارت ظهرها للشعب المصرى، وهو الوضع الذى اقتنع فيه نظام ما بعد 30 يونيو بالحاجة الحقيقية إلى توسيع قاعدة علاقات مصر الدولية. وهو ما بدأ بزيارات واتفاقيات مع قوى دولية مثل روسيا، والصين، والهند، وكوريا الجنوبية، وان لم يحل هذا دون التوجه إلى قوى اوروبية تقليدية مثل فرنسا، وايطاليا، وهو، إضافة إلى الدعم الخليجى لمصر، ما دفع محللين امريكيين إلى اعتبار ان الولايات المتحدة لم تعد تمتلك اوراقا تجاه مصر بينما اصبحت مصر تمتلك اوراقا متنوعة.

ويوحى الدرس الرئيسى للسياسة الخارجية المصرية منذ ثورة 25 يناير أن مستقبلها ودورها وتأثيرها فى إقليمها والعالم سوف يظل معتمدا على أدائها الداخلى وبنائها لقوتها الذاتية وتقديمها لنموذج فى الحكم يحوز على الاقتناع والاحترام. ويرتبط بهذا إدارة رشيدة ومؤسسية للسياسة الخارجية تدرك طبيعة التحولات التى تحدث إقليميا ودوليا وتصنع التوجهات للتعامل الفعال معها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved