لماذا أحببنا عائلة «كامل العدد»؟!

إيهاب الملاح
إيهاب الملاح

آخر تحديث: السبت 30 مارس 2024 - 5:35 م بتوقيت القاهرة

(1)
منذ عرض الحلقة الأخيرة من الجزء الثانى من مسلسل «كامل العدد» فى 15 رمضان، وردود الأفعال الجميلة المفعمة بالمشاعر تتوالى على هذا العمل الذى أحدث حالة غير مسبوقة من الإجماع على «التفاعل» مع فكرة «العائلة»، كما عاشها المصريون وأحبوها (حتى وإن تعرضت هذه الفكرة فى العقود الأخيرة إلى تشوهات يطول الكلام فيها وفى تحليلها اجتماعيًا وثقافيًا وأنثروبولوجيا).
الفكرة التى عمل صناع المسلسل على إبرازها وتجسيدها «فنيًّا» بصورة لطيفة ومحببة، وتتجنب كثيرًا من المبالغات مع خفة ظل محببة، وجرعات من المشاعر الصادقة التى مست القلوب والأرواح، وجعلت هذه المَشَاهد محل قبول وتفاعل رائع من الجمهور.
هذه الحالة «الاستجابية» العالية للمسلسل فى جزئه الثانى بحلقاته الـ15 (والذى تفوق تقريبًا على جزئه الأول فى حالة نادرة وشديدة الاستثنائية فى مسلسلات رمضان خلال السنوات العشر الأخيرة!) تثبت تعطش المصريين إلى تصوير «العائلة» فى هذه الحالة المحبة المسالمة، الخالية من توابل الجريمة والدم والعنف المفرط على كل المستويات (تفننت الدراما المصرية فى السنوات الأخيرة فى تصويره بصورة بشعة ومنفرة وشديدة الوطأة على نفوس المشاهدين).

(2)
هنا أحداث ووقائع بسيطة لكنها تنبض بالحياة، صحيح أن البعض قد يرى أن أفراد هذه العائلة تمثل شريحة قد تكون غير كبيرة فى حياة المصريين الذين يعانى أغلبهم من الضغوط الاقتصادية والحياتية بصورة غير مسبوقة فى السنوات الأخيرة، فهم يعيشون فى مستوى أعلى من المتوسط، وكلهم يمتهنون وظائف عالية ومن أصحاب الأعمال «بالجملة من ذوى اليسر والرفاهة»، لكن الأهم من وجهة نظرى هو الاشتغال على القيمة الإنسانية التى لا يتنافس فيها فقير أو غنى، شريحة عليا أو وسطى أو دنيا، فمن الذى لا يحب «الجمال»، ولا يحب لمة العيلة وضمتها، وتضامنها فى الشدائد والأزمات.. إلخ.
جاء الجزء الثانى من «كامل العدد» ليذكرنا بوفاء الأصدقاء، وفكرة «التعايش» فى ذاتها وعملية المزج الإنسانى بين أطراف وعناصر كانت إلى حد كبير فى الثقافة المصرية لا تلتقى ولا تتعايش (الزوجة السابقة، الزوج السابق، أم الزوجة التى توفى ابنها وترك أرملته.. إلخ).
هذه الأجواء المسالمة المحبة للبهجة والاحتفال وفكرة العائلة الكبيرة التى تتجاوز نطاق رابطة الدم بل تتسع لتشمل الأصدقاء والأحباب والمنتسبين بالمحبة والصداقة ويتلقون كامل الدعم منها دون تمييز أو تفريق، فالحب هو الأساس، والالتذاذ بالأمان الذى توفره هذه الأجواء، والفخر بالانتماء إليها.
(3)
«كامل العدد+1» هذا المسلسل الرائع كتابةً وإخراجًا وتمثيلًا يثبت أننا متشوقون إلى هذه البساطة والإنسانية والرقة والرقى. يحتفى المسلسل أيما احتفاء بقيمة «الأب» الأصيلة من غير زعيق ولا وعظ ولا صراخ. يجسد بمواقف وأفعال مقنعة معنى «الأب» وحضوره ورعايته ومسئوليته، واحتياجنا له، لا نستطيع أن نواجه العالم بدون «أب» حقيقى أو متخيل، (علاقة الآباء بالأبناء فى هذه الحلقات تستحق قراءة تأملية عميقة جدًا)
بالمحبة والثقة والمواقف تبنى الجسور مع أى أحد حتى لو لم يكن ابنك من صلبك..
أما الأم فهى «البطلة» دائمًا من أول المسلسل إلخ، الحقيقة أن «المرأة» بكل وجوهها، وفى كل أدوارها؛ هى البطلة، ابنةً وأختًا وزوجةً، وأمًّا وجدةً وحبيبة وصديقة.. إنها العالم كله، هى الطفلة «فرح» القطقوطة اللطيفة التى تحب اهتمام الآخرين بها، ويساعدها على النجاح والظهور والتفوق، هى الشابة «فريدة» المراهقة الطائشة التى تعانى بسبب هجر والدها البيولوجى لها ولأخيها فنشأت متوجسة أنانية، لكنها حينما تتورط فى مصيبة لا تنجو إلا بدعم ومساندة أبيها الحقيقى (حتى لو لم ينجبها على الحقيقة) ودعم إخوتها جميعًا (غير الأشقاء).
المسلسل فى مجمله يدعو إلى الغفران والتسامح والدعوة إلى التآزر والتكاتف فى مواجهة المصائب و«الأزمات»، إذا تكاتفنا كنا قادرين على تجاوز أى شىء.
(4)
فى ظنى نجح المسلسل فنيًا وجماليًا فى تجسيد وتمثيل هذه القيم والمعانى بكل براعة، ولأن هناك من هو أقدر وأجدر منى على تحليل عناصر هذا العمل فنيًا (إخراجًا وتصويرًا وتمثيلًا.. إلخ).
فسأكتفى فقط وسريعًا بتحية الفنان شريف سلامة الرائع الذى أدى دوره الإنسانى المرهف ببساطة وتمكن واقتدار.. كأننى أعيد اكتشافه مرة أخرى، ومثله دينا الشربينى، ونجوم العمل من الأطفال والشباب كلهم ممتازون الذين أدوا أدوار (فرح، التوأمان حسن وحسين، فريد، فريدة، أمينة، وشريف) ببراعة واحترافية مدهشة!
الكبار جدا ميمى جمال وإسعاد يونس وأحمد كمال وألفت إمام والرائع تميم عبده.. هؤلاء جميعًا «زانوا» العمل وعمقوه وضبطوه، ومنحوه مذاقًا رائعًا ومدهشًا لا مثيل له بين الأعمال الأخرى.
تحية من القلب لصناع المسلسل، وفريق كامل العدد فردًا فردًا.. شكرًا على هذه القطعة الخالصة من الجمال والإنسانية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved