فى تفسير غيابات مؤلمة!

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الخميس 30 أبريل 2015 - 9:25 ص بتوقيت القاهرة

هى إذن، تفاصيل الإدارة الحكومية للفترة الممتدة بين خمسينيات القرن العشرين وبين 2011 التى تطغى اليوم على المجال العام المصرى، وتتجاهل مجددا حق المواطن فى فرض الرقابة والمساءلة والمحاسبة على أفعال مؤسسات وأجهزة الدولة وممارساتها.

بعض اﻷمثلة من واقع الأيام الماضية:

1. تلى حادثة «صندل الفوسفات» فى نهر النيل التى وقعت فى محافظة قنا تصريحات حكومية سريعة للغاية عن عدم وقوع أضرار، وعن جودة المياه وصلاحيتها للشرب، وعن عينات ومعامل واختبارات ونتيجة وحيدة هى تأكيد أن «كل شىء على ما يرام» دون شفافية أو مساءلة أو محاسبة.

2. يلى ظهور حالات تسمم بين مئات المواطنين فى محافظة الشرقية (البعيدة مئات الكيلومترات عن قنا)، والتداول الإعلامى والشعبى لشكوك حول جودة المياه فى عموم مصر بعد حادثة «صندل الفوسفات» (تفتقد على الأرجح للأساس العلمى)، قيام وزير البيئة رفقة محافظ قنا وأمام عدسات المصورين بشرب كوب من مياه الصنبور للتدليل على جودتها وعلى انتفاء الخطر فى مشهد خمسينياتى وستينياتى صريح وباستدعاء واضح لتقاليد النظم الشمولية والسلطوية القديمة (كالاتحاد السوفييتى السابق)، وتتناقل الصحف والمواقع صور «شرب الوزير والمحافظ للمياه» لفرض الصمت على الناس وإسكات شكوكهم دون شفافية أو مساءلة أو محاسبة.

3. يلى حادثة اصطدام «قطار مترو الأنفاق» ــ قطار الخط الثالث لمترو الأنفاق الذى اصطدم بحائط ــ تصريحات حكومية فورية خالية من الاعتذار من جموع الناس التى تعطلت معايشها ومصالحها اليومية بعد الحادثة، وخالية من تحديد السياق الزمنى لإعادة تشغيل خط مترو الأنفاق المتوقف، ثم معلنة بصبغة انتصارية عودة عمل خط مترو الأنفاق الثالث، هكذا دون شفافية أو مساءلة أو محاسبة.

4. تتواتر التقارير الإعلامية والحقوقية عن جرائم التعذيب فى السجون وفى الأقسام الشرطية وعن تكرر قتل مواطنين فى أماكن الاحتجاز إن بفعل التعذيب أو بفعل سوء الأحوال الصحية والمعيشية، والجهات الرسمية المعنية أى وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية تخرج على الرأى العام بنفى دائم لتورطها فى تعذيب أو انتهاكات وتشكك فى «موضوعية» التقارير الإعلامية والحقوقية وتخلى طرفها من المسئولية بمضامينها القانونية والمجتمعية والسياسية، هكذا دون شفافية أو مساءلة أو محاسبة ــ باستثناء مهم يرتبط بقرار النائب العام التحقيق القانونى فى بعض جرائم التعذيب.

فى هذه الأمثلة الأربعة، تستسيغ الإدارة الحكومية فى مصر الاستعلاء على حق الناس فى المعرفة والحقيقة والمعلومة وتغيب قيم الشفافية والمساءلة والمحاسبة (أ) ﻷن المؤسسات الرقابية إما ليست معنا كما فى شأن البرلمان أو حاضرة فى عجز عملى عن فرض الرقابة على الحكومة، (ب) ﻷن بعض القوانين غائبة وترفض منظومة الحكم / السلطة إصدارها كقانون حرية تداول المعلومات وبعض التعديلات الضرورى إدخالها على قوانين المساءلة والمحاسبة لشاغلى المنصب العام وقوانين مكافحة الفساد وقوانين رقابة مؤسسات وأجهزة الدولة وإصلاحها ترفضها أيضا منظومة الحكم / السلطة، (ج) ﻷن الإرادة السياسية فى دوائر منظومة الحكم / السلطة إما تتعامل مع قيم الشفافية والمساءلة والمحاسبة بنهج تجزيئى (بالقطعة) أو تنظر إليها «كمنح» فوقية تأتى من الحاكم وحده ولا يحق للمواطن أن يطالب بها أو تقاربها على نحو يجردها من المضامين السياسية لهذه القيم أى سيادة القانون وتداول السلطة والمشاركة الشعبية ــ أو بعبارة إجمالية بديلة، ﻷن السلطوية الجديدة لا تعرف إلا الإدارة الحكومية التى تنفرد بشئون المواطن والمجتمع وتمارس الهيمنة الأحادية وتهجر الناس من المجال العام بدلا من إشراكهم ولا تعرف من الشفافية والمساءلة والمحاسبة سوى ما يريده الحكم.

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved