ملاحظات حول الانتخابات وما بعدها

أهداف سويف
أهداف سويف

آخر تحديث: الأربعاء 30 مايو 2012 - 8:35 ص بتوقيت القاهرة

طبعا مقهورين إن ٥ مليون مصرى ينزلوا من بيوتهم ويروحوا ينتخبوا النظام القديم ــ ينتخبوا النظام القديم بعد أن كشف عن مدى قبحه وتفاهته وخوائه.

 

وطبعا زعلانين إن الإخوان لم تتمكن قياداتهم ــ على مدى ١٦ شهر من عمر الثورة وأربع شهور من عمر المجلس التشريعى ــ لم تتمكن من أن ترقى إلى مستوى اللحظة، ومن أن تقوم بدور جامع، فتخرج من الحزبية الضيقة إلى رحابة المصلحة الوطنية، لم تستطع أن تستعمل موقع القوة التى وجدت نفسها فيه لتفتح بابها وصدرها وعقلها للآخرين من أبناء الوطن فتكون كما كان الشيخ محمد عبده وغيره، بل ظهر أنها لا تعى ثقل مصر التى تريد أن تحكمها ولا سعة الدين الذى تتحدث باسمه.

 

ولكن من المطمئن أن نِصْف من أعطوا صوتهم للإخوان فى انتخابات مجلس الشعب حجبوه عنهم فى انتخابات الرئاسة، وأن هذا الموقف جاء لأسباب واقعية حياتية ملموسة ــ أى أن هؤلاء لن يغيروا رأيهم إلا إذا اختلف أداء الإخوان. وخيرا إن اختلف.

 

وأيضا فرحين ومستبشرين بالملايين التى اصطفت إلى جانب التغيير الجذرى فى الاقتصاد والإدارة ــ الملايين التى صوتت لغير النظام القديم.

 

وفرحين ومستبشرين بالملايين التى اصطفت إلى جانب التغيير الجذرى فى الاقتصاد والإدارة، والحريات، الملايين التى أعطت صوتها لحمدين صباحى وعبدالمنعم أبوالفتوح وخالد على وهشام البسطويسى وأبوالعز الحريرى.

 

ويطمئننا أيضا عزوف عدد هائل من المصريين عن المشاركة فى الانتخابات أصلا. قارن أعداد من شاركوا فى أول عملية تصويت ــ الاستفتاء ــ بمن شاركوا فى انتخابات الرئاسة. لأن الشعب أدرك أن العملية الانتخابية، بظروفها الحالية، لن تعطيه ما يريد. ولأن الشعب يتعلم بسرعة.

 

بعضنا حاول. قلنا هذه هى الآلية المطروحة، هذه هى إحدى سبل الثورة ربما، وعلينا أن نطرق كل الأبواب. والحقيقة أننا نجحنا: الملايين التى اصطفت على أرض الثورة جاءت بدون آلة أو تنظيم أو إعلام، أو كوبونات وثلاجات وأكياس سكر وزجاجات زيت، جاءت لأن هذه هى أرضها. وربما لو كانت هذه الأرض مساحة واحدة بلا أسوار وحواجز داخلية لكان الوضع اختلف الآن ولأمكن لمسيرة الثورة أن تتحرك أسرع وبتضحيات وخسائر أقل.

 

وربما لا. ربما هذه اللعبة متظبطة بحيث لا يستطيع تيار ثورى حقيقى أن يكسبها أبدا. من يكسبها سيكون دائما من يتحكم فى آلة جبارة، وإن خَلَقْنا وأصبحنا جزءا من آلة تشابهها وتواجهها فقدنا إنسانيتنا وثوريتنا.

 

يبدو أن الشعب يقودنا نحو إدراك أن الآليات السياسية الموجودة لم تعد تسع أحلامنا.

 

مساء الاثنين ــ وكان مساء صعبا ــ قال أحد الشباب على تويتر «الثورة نجحت.. ومش لاقية شغل». قلت: قفشة حلوة، وأهى برضه تظل الثورة شبه الكثيرين ممن قاموا بها. لكن الحقيقة إن فيه غلط فى المصطلح، وإن الشبه أعمق من الشبه السطحى، هى الثورة نجحت ومش لاقية وظيفة ــ لكن الشغل اللى قدامها ياما، بالظبط زى اللى قدام الشباب وقدامنا كلنا.

 

علينا أن نتذكر أن الثورة لم تقم من أجل أن نقف فى الانتخابات وننال إعجاب جيمى كارتر، الثورة قامت لتزيل نظاما بأكمله، وتبتكر نظاما يضع العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية فى متناول الجميع.

 

علينا أن نتذكر أن الثورة قامت من أجل أن يعيش كل إنسان بكرامة، وأنها تلتزم بمبادئ وليس بآليات، فهى دائمة البحث عن طريقها وأدواتها.

 

علينا أن ندرك حجمنا، وندرك قوتنا، وأن نعمل على استيضاح هذه القوة وإبرازها. ربما كان هذا عن طريق المقاطعة، أو عن طريق إبطال الأصوات، أو عن طريق القيام بشىء مشابه للعصيان وعكسه: يعنى الإضراب عن الرسمى والانخراط فى المدنى فى اليوم ذاته.

 

علينا أن نستعمل ونفعل ولا نهمل الشبكات والقواعد التى أوجدتها الحملات الانتخابية التى انطلقت من أرضية الثورة.

 

علينا أن نتحادث، وأن نترفق ببعض.

 

علينا ألا ننسى أبدا الشهيد وحقه وأهله، وأصحابنا المصابين، وعلينا أن نستمر فى رفض المحاكمات العسكرية للمدنيين وأن ندعم الألف وثلاثمائة شاب الداخلين الآن فى يومهم العاشر فى الإضراب عن الطعام.

 

علينا أن نختار ملعبنا وأدواتنا، وألا ننجرف للعبة والملعب التى يحددها غيرنا.

 

علينا أن نكُون الثورة ونكون التغيير فى كل لحظة.

 

وعلينا أن نجد/نبتكر المنظومة التى تريحنا، الثوب الذى يسعنا ويسمح لنا بحرية الحركة. من الواضح أننا نبحث عن شكل المنظومة التى نستطيع أن ننتمى إليها. وربما نجد أن هذه المنظومة هى منظومة عضوية، كالجسد. بعض الخلايا تكون الرئة، وبعضها تكون المفاصل وبعضها تكون اليد وبعضها تكون الدماء. لكل عضو خصوصيته ووظيفته، ولكل عضو شكله ولونه وحريته، لكن الكل يعمل على مصلحة الكيان كله: المجتمع الذى يسعى لحق كل فرد فيه للعيش، والحرية والعدالة الاجتماعية، لحق كل فرد فى الكرامة الإنسانية. ربما.

 

علينا أن نطرح أفكارا تعتبر من الماضى وتتوجه نحو المستقبل.

 

علينا أن نتذكر أننا لسنا وحدنا، إن العالم كله يبحث الآن عن نماذج جديدة للحياة فى مجتمعات بشرية. العالم كله تجارب، ونحن من أثراها ومن طليعتها.

 

إن آلة النظام القديم والعسكر استحسنت أحمد شفيق ليكون واجهتها، أى أنه أفضل واجهة لديها. وهى ستوصله ــ إلا إذا تم اتفاق ما مع قيادات سياسية أخرى ــ إلى الرئاسة. وسيكون آخر رئيس للنظام القديم فى مصر. فعلا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved