ملاحظات حول العرب و«الديمقراطية».. من لبنان إلى إيران مرورا بإسرائيل!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 30 يونيو 2009 - 6:11 م بتوقيت القاهرة

١ــ

غمرت الفرحة دوائر القرار فى العواصم العربية المختلفة: لقد انتصرت الديمقراطية الطوائفية فى لبنان انتصارا باهرا، وألحقت هزيمة مدوية بالمعارضة المشتبه فى ولائها لشعار «لبنان أولا» والمتهمة بأن لها صلات تحالف أو تعاون أو تقارب ما مع «معسكر الشر» الذى يضم إيران وسوريا وجهات أخرى معادية للحرية والتقدم والانفتاح!.

وفى غمرة احتفالاتها المدوية بهذا النصر الخارق الذى تهون أمامه التضحيات، ولو تجاوزت المليار دولار، لم تنتبه دوائر القرار هذه لخبر رأته عاديا ومفاده أن إسرائيل تشترط عدم مشاركة «حزب الله» فى الحكومات اللبنانية الجديدة، فإذا ما فرضت التوازنات الداخلية إشراكه فان هذه الحكومة ستتحمل المسئولية كاملة عن هذا «الخرق» الفاضح.. للديمقراطية!.

صار بوسع إسرائيل، إذن، أن تقرر فى الشئون الداخلية لكثير من الدول العربية... وها هى تضم لبنان إلى حظيرة الدول التى ترعاها وتمنع «التطرف» من حرف حكوماتها عن أهداف السلام الإسرائيلى!.

الطريف أن إسرائيل توظف فى هذا المجال الاستثمارات السياسية والمالية العربية، حتى يبدو وكأن وحدة الخصم قد جمعت فوحدت الموقف بين «عرب الاعتدال» وإسرائيل التطرف التى جمعت حكومتها عتاة العنصريين ودعاة تهجير من تبقى من الفلسطينيين فى أرضهم الوطنية لتهب أملاكهم التى توارثوها منذ آلاف السنين عن أجدادهم، للمستعمرين المستقدمين من أربع رياح الأرض لكى تصير فلسطين «دولة اليهود» المطهرة!.

الطريف أيضا أن أجهزة الإعلام الرسمية العربية، لاسيما فى تلك الأقطار التى لم تعرف الانتخابات فى تاريخها، وكانت وما تزال تحرم «الديمقراطية» باعتبارها رجسا من عمل الشيطان، قد خاضت غمار الانتخابات النيابية فى لبنان، التى رآها المواطن اللبنانى الأسوأ فى تاريخه، خصوصا أنها جرت بموجب قانون طوائفى مستعاد من سنة 1960، ويعتمد الفرز الطوائفى بين اللبنانى.. وهى قد كرست صفحات خضراء وصفراء وسوداء فى صحفها، وبرامج على مدار الساعة فى محطاتها الفضائية للترويج «لمرشحيها» فى هذه الانتخابات التى رأتها وتعاملت معها وكأنها المعركة الفاصلة بين الخير والشر، والديمقراطية والدكتاتورية، والتبعية للأجنبى مقابل الاستقلال والحرية و«لبنان أولا»، حتى كتب لها النصر المبين!.

... وفى اللحظة الحاسمة تقدمت إسرائيل لتنغص على هؤلاء المستجدين فى نصرة الديمقراطية من العرب، فتدعى أنها هى من تحكم باللعبة ومن ثم بالنتائج، وهى بالتالى من يفرض شروطه عن من اعتبروا أنفسهم منتصرين فى معركة الديمقراطية التى ترى إسرائيل فى نفسها منارتها الوحيدة فى هذا الشرق المفروض عليه إظلام الدكتاتوريات!

٢ــ

تخففت القيادات العربية من وقارها وكادت تخرج إلى الشوارع فى تظاهرات ابتهاج عارمة بتحقيق انتصار تاريخى مبين: لقد صدق الاحتلال الأمريكى وعده فخرج من «قلب» المدن العراقية ليكتفى بالوقوف على بابها، حارسا لأمن مواطنيها، فضلا عن توليه مهمة حماية استقلال العراق جميعا ووحدة شعبه وأرضه الوطنية!.

لا يهم أن يترافق هذا « العهد» الأمريكى مع تجدد عمليات القتل الجماعى فى مجازر منظمة ينسب تدبيرها إلى سفاحى تنظيمات «مجهولة» حتى وإن تسترت بلافتة «القاعدة» بهدف النفخ فى نار الفتنة بين «العرب المسلمين» فى العراق شيعة وسنة.

ولا يهم أن يكون الأكراد قد أنجزوا ترتيبات «استقلالهم» فى شمالى العراق، مع إصرارهم على الاستيلاء على منطقة كركوك الغنية بالنفط والأقليات العرقية والطائفية والمصالح المتشابكة، وكل ذلك «يبشر» بمجازر لاحقة تسيل فيها دماء العراقيين أنهارا، تحت سمع وبصر الاحتلال الأمريكى.. ربما كانت الاعتداءات المنظمة على الكلدان والآشوريين بقصد تهجيرهم من الأرض التى أعطوها تاريخها فكان فجرا للتاريخ الإنسانى جميعا، هى المقدمة أو الإنذار الناطق بالدم لما سوف يصيب الأقليات الأخرى إذا ما تمسكت بأرضها وهويتها «العراقية» ورفضت أى عملية فرز عرقى أو طائفى، وإجمالا كل محاولة لتقسيم العراق بما يهدد كيانه الوطنى بالاندثار!.

ولا يهم أن تكون التيارات الوطنية العابرة للطوائف قد أكدت تمسكها بوحدة التراب العراقى، فرفضت الأكثرية الساحقة من «الشيعة» شعار «الفيدرالية» الذى رفع فى محاولة لفصل الوسط والجنوب عن سائر أنحاء العراق، بينما تمسكت القيادات الواعية من «السنة» بوحدة التراب الوطنى، والدولة الواحدة للعراق الموحد، المهم أن قوات الاحتلال الأمريكى ستخرج من قلب المدن لتقف عند بوابتها، متيحة للسلطة أن تظهر فى الصورة «مستقلة» تماما، لها وحدها حق القرار فى الشأن الوطنى تأكيدا «للسيادة»!

٣ــ

تحولت القيادات والمرجعيات السياسية العربية إذن، إلى «معلقين» على الأحداث، وأحيانا إلى شهود زور على ما يجرى من تطورات أو أحداث حتى فى منطقتهم ولدولها المختلفة، أو فى دول «الجيران»، تستوى فى ذلك تركيا أو إيران أو حتى... إسرائيل!.

أما الدول الكبرى ولاسيما أعظمها أى الولايات المتحدة الأمريكية فهى فوق النقد، وبالطبع فوق المحاسبة حتى إن هى أخطأت معهم أو سلكت مسلكا يفترض أن يثير فيهم حمية الثأر لكرامتهم.

... وها هى إسرائيل تذلهم مجتمعين منفردين فيتقبلون الإهانة صاغرين، لأنهم كفوا عن أن يفترضوا أن فيهم من القوة، أو أنهم يملكون من أسبابها ما يفترض أن يمنع عنهم ــ أقله ــ الإهانة، بعد أن امتنع عليهم «الدور» أو أنهم تخلوا عنه تهربا من مسئولياته.

لنأخذ طريقة تعاطى «العرب»، عبر قواهم النافذة، مع الأحداث الخطيرة التى شهدتها إيران، خلال الأسبوعين الماضيين، بدلالاتها المباشرة وانعكاساتها المحتملة على مجتمعاتهم (وعلى دولهم بالاستطراد).

ثم، فلنتأمل فى طريقة تعاطى «العرب»، عبر قواهم النافذة، مع المواقف الإسرائيلية التى توالت عليهم، ردا على خطاب الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى جامعة القاهرة، خلال رحلته المشرقية، وما تضمنه من إيماءات أو إشارات لا تصل إلى حد اعتبارها خطة أو مشروع خطة متصل بالقضية الفلسطينية التى كانت ذات يوم القضية العربية الأولى والأخطر والأهم إلى حد إضفاء قدر كبير من القداسة عليها.

فأما إزاء إيران فإن بعض «العرب» قد خاضوا فيها، من دون دعوة ومن دون معرفة حقيقية بطبيعة النظام وطبيعة المعترضين على نتائج الانتخابات الرئاسية فيها، حربا شرسة تحت عنوان نصرة «الإصلاحيين» فيها وكأن هؤلاء قاب قوسين أو أدنى من الانتصار لإسقاط نظام ولاية الفقيه القائم فى هذه الدولة العريقة، التى تشابه فى وجوه كثيرة مصر.. لاسيما بموقع الدولة فى وجدان المواطن.

ولعل السلطة فى مصر كانت أكثر تعقلا من أن تدخل فى مراهنات بائسة على سقوط هذا النظام الذى يستند إلى ركائز دينية راسخة، بحيث تستحيل معارضته من خارجه. فحماية دولة الإسلام واجب كل مسلم ــ وإيران فى نظر الإيرانيين (وهم مسلمون وان كانوا شيعة) هى «دار الإسلام» وحماية دولة الإسلام واجب دينى قبل أن يكون واجبا وطنيا.

المعارضون هم أبناء النظام. ليسوا طارئين عليه ولا يرتضون أن يصنفوا أعداء. حتى المعترض منهم على شخص ولى الفقيه لا يمكنه أن يعترض على القاعدة الدينية التى يرتكز إليها المرشد...

والتصنيفات التى تقسم المعارضين إلى إصلاحيين ومحافظين تصنيفات وهمية أو أنها فى أحسن الحالات «مستوردة»... فبين مؤيدى كل من المرشحين من يمكن اعتبارهم إصلاحيين وكذلك من يمكن اعتبارهم محافظين. المعيار هو الصراع على السلطة من داخل النظام لا من خارجه، ولا يقل الإصلاحيون شراسة عن المحافظين فى مواجهة الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا. وهكذا اتسعت المساحة أمام الدولة التى ترفع راية الإسلام.

وإذا كانت طبيعة النظام ومؤسساته معقدة، فان مواقف المختلفين واحدة من القضايا التى تواجه إيران سواء فى جوارها القريب، كالعراق، أو فى محيطها البعيد فالأبعد من أفغانستان إلى باكستان، ثم الجمهوريات الإسلامية فى الاتحاد السوفييتى سابقا.

فحيثما تصادمت الأنظمة السياسية مع الإسلام اتسعت المساحة أمام الدولة التى ترفع راية الإسلام، خصوصا وأنها «الدولة الوحيدة القوية والقادرة» بين دول الجوار..

٤ــ

وإذا كان مفهوما أن يصنف الغرب القوى الإيرانية حسب مفاهيمه فيرى فى بعضها «إصلاحيين» وفى بعضها الآخر «محافظين» فأى معيار يعتمده العرب لهذا التصنيف؟! من هو «المحافظ» عند العرب ومن هو «الإصلاحى» لاسيما إذا ما أرادوا الفرز بين حكامهم؟!.

أما الدين فإن العديد من حكام العرب إنما يحكمون باسم الإسلام، مباشرة أو مداورة، بل إن بعضهم يرتكز أولا وأخيرا إلى الدين فكيف تراهم يحاسبون أولئك الحكام فى إيران باسم الإسلام؟

لهذا رأينا الرهان العربى المتعجل على سقوط النظام الإيرانى ينتهى بمهزلة ــ مأساة، وسيكون على هؤلاء المتعجلين غدا أن يتقدموا بالاعتذار تلو الاعتذار لأهل النظام فى إيران... ولكن المهم: ماذا تراهم سيقولون لشعوبهم؟! وكيف سيعتذرون لها عن هذا التضليل المقصود وعن نتائجه التى قد يصعب تجاوزها مع الدولة الكبرى فى الجوار؟!

وكيف لمن يتنازل لإسرائيل بهذا السخاء غير المبرر وغير المقبول أن يتشدد إلى حد التجنى مع دولة جارة ليس بينه وبينها أى سبب لعداء جديد سيضر بالطرفين.

الديمقراطية فى لبنان.. فهمنا وأمرنا لله، بغض النظر عن مقاتلها!.

الديمقراطية فى إسرائيل.. لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

أما الديمقراطية فى إيران فهى سبب لتجديد الحرب بين المسلمين والعياذ بالله؟!.

فهل بين الفقهاء من يفتى بأى الديمقراطيات يطالب حكام العرب لأنها تلائم شعوبها القاصرة والتى لما تبلغ سن الرشد؟!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved