30 يونيو: نظرة تقييمية

سمير عليش
سمير عليش

آخر تحديث: الثلاثاء 30 يونيو 2015 - 10:45 ص بتوقيت القاهرة

كان من الواضح لدى قبل 30/6/2013 بعدة شهور ان قطاعا كبيرا من ثوار الملحمة الثورية التى انطلقت فى 25 يناير التى (نال شهداؤها التحية العسكرية الشهيرة من اللواء عتمان) قد قرر عدم الاحتفاء بذكرى مرور سنة على حدث مهم وقع فى يوم 30/6/2012 أنجزته دماء هؤلاء الشهداء ثم من سقطوا فى ماسبيرو، محمد محمود، وزارة الداخلية..الخ، للمطالبة بتخلى المجلس العسكرى عن السلطة التى تسلمها من الرئيس المستبد / الفاسد [كان يجب ان يتسلمها رئيس المحكمة الدستورية وفق الدستور السارى، ولكن هذا مفهوم الوطن «عزبة تورث»].

وفى نظرى ان هذا الحدث قد جسد انتصارات تاريخية غير مسبوقة كنقطة انطلاق لبناء «دولة ديمقراطية وطنية مدنية عصرية»، أهمها فيما أعتقد ما يلى:

• إسقاط السلطة الرئاسية الديكتاتورية التى امتدت آلاف السنين (ملكى، مستعمر، عسكرى) بالأصوات الاحتجاجية للمواطنين.

• انتزاع المواطنين لحقهم فى اختيار رئيسهم عبر التنافس الحر على الأصوات الانتخابية.

ولما كان هذا الحدث التاريخى عنوانا على إصرار غالبية المصريين للانطلاق إلى إصلاح الدولة وتحقيق اهداف الملحمة الثورية عبر مسار ديمقراطى لتحقيق التنمية ومراعاة حقوق الإنسان بقيادة رئيس قاموا بانتخابه، فمن حقهم ايضا كأفراد وكجماعات (بعد مرور سنة) المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، لعدم رضائهم بل وغضبهم وخيبة أملهم فى الرئيس المنتخب لأسباب مختلفة منها عدم تنفيذه للتوصيات التى صدرت من اجتماع بين عدد من الشخصيات الليبرالية والقومية مع الراحل د. فريد عبدالخالق (حسن نافعة ــ المصرى اليوم)، ثم لإصداره الإعلان الدستورى (الديكتاتورى)، وأخيرا وليس آخرا نكوصه عن وعوده الانتخابية وعهوده (وثيقة فيرمونت).

وللأسف فإن دستور 2013 لم يكن فيه مادة تنظم المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة (وللعجب لم تضاف إلى دستور 2014)، وأصر الحاكم فى نفس الوقت على استكمال مدته ولم يستجب للأصوات الاحتجاجية لغالبية المصريين(ومنها من أيدته مسبقا أو امتنعت عن التصويت) للتوصل لحل سياسى يقوم على التراضى. ولم يستمع الثائرون أيضا (من بينهم مؤيدو شفيق / مبارك) للحلول المطروحة التى تستهدف تصحيح مسيرة التحول الديمقراطى والتنمية وحقوق الانسان (الأفضل محليا وإقليميا وعالميا) بدلا من إيقافها. وقد كان من أهمها طرح استفتاء (بإشراف لجنة الانتخابات والقوات المسلحة) يخير فيه الشعب بين خريطة الطريق واستكمال الرئيس مرسى مدته، الأمر الذى اعتقد كان سيؤدى إلى اختيار الشعب لرئيس المحكمة الدستورية، ويبتعد الجيش تماما عن مستنقع السياسة ويبقى حاميا للوطن والدستور.

وأعتقد ان التمسك بأجندات معلنة وغير معلنة، ادى إلى أن اعلن قائد الجيش فى 3/7 ومحاطا برموز المعارضة ورؤساء «الأزهر والكنائس» عزل الرئيس مرسى (خوفا من الاحتراب الأهلى والدولة الفاشية كما قيل)، مما احالنا إلى نقطة البداية فى تلك المسيرة. وكرد فعل لهذا الحدث وقعت أحداث إجرامية من مناصرى الرئيس المعزول فى حق أفراد وفئات وممتلكات الشعب المصرى، ازدادت حدتها بعد التعامل الدموى مع تجمعات التحدى للتيار السياسى الاسلامى فى رابعة والنهضة وما بعدها. ومن ثم كان أول الإخفاقات مع فقدان الشعب احدى اهم سماته الشخصية «الاعتدال والوسطية» حيث غابت عن حواراته أية معانٍ للعقلانية والاتزان، بجانب اندلاع عمليات إرهابية وانتقامية فى سيناء والوادى مازالت مستمرة حتى تاريخه. وأعتقد أنه قد توالى العصف بحلم تحقيق أهداف 25 يناير بالديمقراطية والتنمية ومراعاة حقوق الانسان عبر: التبجح بأن الشعب المصرى غير مؤهل للديمقراطية / التعدى على الدستور/ قوانين معوقة للحياة السياسية والمدنية / غياب رؤية متكاملة للتنمية والاعتماد على المعونات وطرح مشروعات كبرى دون دراسة جدوى/ إعلام مزيف للحقيقة والوعى / البراءة لمبارك وأعوانه / أحكام الإعدام بالجملة لمرسى وأنصاره / أحكام السجن والحبس الاحتياطى والاختفاء القسرى والتصفية والتعذيب والابعاد للعديد من ثوار 25 يناير و (أو) اتهامهم بالعمالة / التهجير القصرى فى الوادى وسيناء.

أما عن التطلعات فإن 30/6/2013 كانت ممرا إلى 3/7 وإيذانا ببدء المسيرة الجديدة مدعومة بالأمل من غالبية الشعب المصرى عبر تنفيذ خريطة الطريق (المعلنة ثم المعدلة).

ومن المهم أن نعى أن دستور 2014 يعطى صلاحيات غير مسبوقة لمجلس النواب أمام الرئيس، ويحتوى ايضا على بنود انتقالية متعلقة بالقوات المسلحة وبالقضاء يتم إسقاطهما (بعد مدتين رئاسيتين). تلك البنود الانتقالية تعنى بأن مقومات الدولة الديمقراطية ستكتمل بعد انقضاء تلك المدة (الباقى 7 سنوات)، حينما يتمكن الشعب ممثلا فى (الرئيس ومجلس النواب) بفرض سلطته على جميع مؤسسات الدولة (حلم 25 يناير).

***

وبناء على ما سبق فإن تطلعاتى لما بعد 30/6 الحالى وخلال السبع سنوات التالية فتتمحور حول تجاوز الإخفاقات وإرساء القواعد اللازمة لاستمرار المسيرة وتأمينها من الارتداد فى إطار التحديات المحلية والمتغيرات الإقليمية والعالمية، وتنحصر فيما يلى:

1- تعزيز رأس المال الاجتماعى بالعدالة الاجتماعية والناجزة والانتقالية، بجانب نشر ثقافة الديمقراطية ومجتمع المعرفة.

2- انتخاب مجلس النواب والمحليات والعمد وفق قوانين تحقق مرامى الدستور.

3- التصدى الفعال: لفوضى الشارع ولتدهور الأخلاق ولبذور الارهاب وللتوجهات بعدم الالتزام بالدستور و(أو) لإحياء السلطة الديكتاتورية أو لإعادة رموز فساد مبارك ومشروع الدولة الدينية للتحكم فى مصير الوطن، ولعدم التخلص من التشريعات والسياسات والإجراءات التى أدت إلى عدم الشفافية وتحجيم الأصوات الاحتجاجية (قانون التظاهر) وتهميش المواطنين ومجتمعاتهم المدنية وإقصائهم وإفقارهم وتمزيق نسيجهم الوطنى.

4- طرح وتنفيذ رؤية لمشروع قومى متكامل لتحقيق التنمية المستدامة والمتوازنة فى إطار مجتمع المعرفة.. ملهما لطموح الحركة وحاشدا لإرادة الفعل وخاصة بين شباب الأمة، ومستهدفا: دمقرطة القوات المسلحة (كتاب نارسيس سيرا «وزير الدفاع الاسبانى» سابقا)، ... ومعمقا لثقافة المواطنة وقبول الآخر والاعتذار والإعذار (دمج التيارات السياسية الإسلامية فى الحياة الديمقراطية «تونس والمغرب»)، متصديا للقضية السكانية (النمو / الخصائص / التوزيع).. مفارقا نظام مبارك (30 سنة) ومعالجا لآثاره السلبية على المواطن «تعليم وتربية، صحة، بطالة، عشوائيات... إلخ»، على الوطن «تبعية القرار لقوى دولية وإقليمية»، على مؤسسات الدولة «الفساد. ومعالجا ايضا لأخطر سلبيات نظام مرسى (سنة) المتمثلة فى محاولة إرساء قواعد مشروع الدولة الدينية.

***

وأختتم بأن أقول إن تلك التطلعات يمكن تحقيقها عبر ما يلى:

• الاعتماد على الموارد المجتمعية، والمسئولية الجماعية للمواطنين (أفراد وترابطات وشركات، ونخب ليبرالية وإسلامية «مقالات د. أحمد عبدربه فى الشروق بتاريخ 10، 17 مايو 2015»).

• التزام السلطة بالدستور والحقيقة ومحاربة الفساد، مع إيمانها بالعلم وبأهل الخبرة وبأن الشعب هو القائد والمعلم (مجتمع مدنى قوى وحياة حزبية سليمة).

وفى النهاية مع أننى أخشى أن لا يلتفت إلى تلك التطلعات بالجدية اللازمة ثم تجرى تعديلات على الدستور ليظل الشعب بعيدا عن كونه مصدر السلطات، الأمر الذى ادى دائما إلى النكسات وسقوط الانظمة، ... فإننى على ثقة ان المسيرة ستستمر بفضل الوعى بانتصارات واخفاقات 25 يناير و30/6.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved