من فلسطين المضيعة إلى جنة اليونسكو المفقودة .. كشف أولى بالهزائم الجديدة للنظام العربي

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 30 سبتمبر 2009 - 10:12 ص بتوقيت القاهرة

 لابد أن قادة النظام العربى، بمجملهم، قد تجرعوا كئوسا مترعة بالمرارة، فى الأيام القليلة الماضية التى حفلت بانتكاسات خطيرة لآمالهم أو تمنياتهم سواء فيما يتصل بالقضية ــ الأم ــ فلسطين، أو بمسائل كانوا يفترضونها أسهل منالا كالفوز بمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو.

وبالتأكيد فإن من راهن على الإدارة الأمريكية الجديدة قد يستشعر غصات عديدة وهو يتابع وقائع الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة، بدءا بخطاب الرئيس الأمريكى باراك أوباما، مرورا بخطاب الفجور الانتصارى لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وانتهاء بالخطاب الاعتذارى البائس لرئيس السلطة التى لا سلطة لها فى بعض أراضى فلسطين المحتلة محمود عباس.

لقد تبخرت تعهدات الرئيس الأمريكى التى حملها مبعوثه الخاص جورج ميتشيل وجال بها، مرات عدة، على بعض قادة النظام العربى والقيادة الإسرائيلية، مبشرا عبر ابتسامته البلاستيكية أنه إنما جاء لمهمة محددة هى: وقف الزحف الاستيطانى الإسرائيلى على ما تبقى من الأرض التى كانت مخصصة ــ نظريا ــ لمشروع الدويلة الفلسطينية الهزيلة.. فلما جوبه بالتعنت الإسرائيلى الذى تبعه تراجع مفجع للرئيس الأمريكى عن تعهداته «الفلسطينية» تجرع قادة النظام العربى المرارة، مجددا، وحولوا وجوههم إلى الجهة الأخرى ليصعدوا حروبهم الشرسة على النووى الإيرانى!

بل إن رئيس الحكومة الإسرائيلية قد تجاوز نقض ما كان قد «وعد» به منتقلا إلى الهجوم على ما تبقى من ثوابت القضية الفلسطينية، بكل التعهدات أو الضمانات الدولية التى كان العرب يفترضون أنهم قد نجحوا فى الحصول عليها عبر الإدارة الأمريكية أو عبر الرباعية الدولية، بعدما دفعوا ثمنها غاليا عبر المبادرة العربية التى مزقها حكم التطرف فى إسرائيل فأخرجها من النقاش غير عابئ بالتهديد الضمنى لصاحبها الملك السعودى بأنها لن تبقى على الطاولة إلى الأبد.

لم يعد الموضوع ــ دوليا ــ حقوق الشعب الفلسطينى فى بعض أرضه، ومن ضمنها رفع الحصار القاتل عن المليون ونصف المليون فلسطينى المتروكين لريح الموت والجوع والمرض ونقص الغذاء وانعدام الدواء فى قطاع غزة.

تم تحوير المسألة جميعا فصارت: حق يهود العالم بأن يجيئوا من رباع الدنيا إلى أرض شعب فلسطين لتكون «دولة يهود العالم».. ولأن مساحتها محدودة، فلابد من أن يخليها الفلسطينيون ليتحقق «الوعد الإلهى» الذى أقطع «أرض الميعاد» لليهود جميعا.

2 ــ
سواء أكانوا من فالاشا الحبشة أو أرثوذكس الاتحاد الروسى أو كاثوليك بعض أقطار أوروبا أو بعض المتحدرين من أصول مغربية مختلطة نتيجة تمازج العرب واليهود فى الأندلس.

لقد أقدم النظام العربى على سلسلة من التراجعات المفجعة، سواء نتيجة انبهاره بالإدارة الأمريكية الجديدة، الناتجة عن سوء تقديره وقراءته المغلوطة لطبيعة العلاقة القائمة والدائمة بين المؤسسة الأمريكية الحاكمة وبين الكيان الإسرائيلى، أو نتيجة غرقه فى جهله بموقع هذا الكيان فى الاستراتيجية الأمريكية.

فالنظام العربى لا يملك من أمر قضاياه شيئا. إنه ينتظر صدقات الإدارة الأمريكية بعدما أولاها ثقته، وربط مصيره بقراراتها، مع وعيه بأنه أعجز من أن يؤثر فى هذه السياسات، خصوصا بعدما انقسم هذا النظام إلى معسكرات متواجهة فخسر بعض قيمته المفترضة وكل قدرته على التأثير.

بل إن هذا النظام العربى، العاجز بحكم تكوينه، قد ألغى مصادر قوته حين تحول إلى مجرد تابع منفذ لأغراض السياسة الأمريكية، وبين أهدافها العظمى حماية إسرائيل كقوة مقررة فى المنطقة العربية،
ثم إنه خسر المزيد من عناصر قوته المفترضة حين اندفع يغطى الاحتلال الأمريكى للعراق، بكل تداعياته سواء على الوحدة الوطنية فى هذا البلد العربى العريق وعظيم القدرات، أو على المحيط العربى للعراق.
فجأة، وبغير سابق إنذار، تناسى النظام العربى إسرائيل، التى تعاظمت قوتها بقدر ما تعاظم ضعفه نتيجة احتلال العراق، وتناسى معها حقيقة أن العراق بات تحت الاحتلال، بكل ما نجم عن هذا الاحتلال من تمزق لأسباب وحدة أرض الرافدين، ومن نفخ فى رماد الفتنة بحيث اندفع العراقيون المنهكون بالحكم الطويل للطغيان يبحثون عن الأمان، فلم يجدوا غير طوائفهم وعشائرهم التى حلت محل الدولة بتشجيع مباشر من الاحتلال الذى انهمك مع أعوانه وعملائه من العراقيين فى نهب خيرات أرض الرافدين تاركا الشعب المقهور دهرا يتفكك فيفقد أواصر وحدته ويغرق فى دمائه عبر حرب أهلية مفتوحة.

ولقد كان سهلا، فى ظل هذه الفوضى الدموية التى فتحت العراق أمام كل طامع، أن يتم تحويل الاهتمام عن واقع الاحتلال الأمريكى إلى احتمالات الخطر الآتى من إيران، التى كان بديهيا أن تحمى نفسها من تداعيات هذا الاحتلال بأن تتقدم لتشارك فى الغنيمة، استجابة لثأر قديم من حرب صدام حسين التى فاجأتها مع اندلاع ثورتها الإسلامية فأنهكتها وأسست لعداء جديد بين العرب والإيرانيين يستمد بعض مبرراته من وقائع كانت نائمة فى بطون التاريخ.

3 ــ
تحول الاحتلال الأمريكى إلى حليف للنظام العربى فى مواجهة خطر محتمل يتمثل فى إيران..

وكان المستفيد الأعظم من هذا التحول العدو الإسرائيلى، الذى أخذت صورته تتبدل فى عيون بعض النظام العربى، فإذا هو «خصم» وليس عدوا، ثم إنه قد يفيد ــ إذا ما تمت تهدئة الخصومة معه ــ كحليف محتمل فى مواجهة الخطر الإيرانى.

صار الاحتلال الأمريكى للعراق والاحتلال الإسرائيلى لفلسطين حليفين محتملين إن لم يكونا مؤكدين، للنظام العربى.

وكان بديهيا والحالة هذه أن تتبدل أدوات اللعبة، فإذا الخطر يكمن فى «الهلال الشيعى» وليس فى غيره، وإذا الاحتلال ــ أمريكيا وإسرائيليا ــ فى موقع الحليف لمواجهة هذا الخطر الجديد.. الداهم!

*******

لابد أن الرئيس المصرى حسنى مبارك يستشعر أسفا عميقا لأنه أكرم من لا يستحق التكريم وشرّف من لم يعرف عنه الوفاء أو حتى الحياء، بنيامين نتنياهو، بدعوته إلى مائدته فى إفطار رمضانى.. محتملا عبء هذا التكريم الاستثنائى لسفاح محترف وعنصرى جلف مثل بنيامين نتنياهو.

بل لعل الرئيس مبارك يحس بخيبة أمل مريرة نتيجة رهانه على الوعود المعسولة وإن ظلت دلالاتها مبهمة، والتى سمعها من الرئيس الأمريكى باراك أوباما حول «عملية السلام» عموما، ومدخلها الحتمى وقف الاستيطان فى الأراضى الفلسطينية التى لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلى، وإن اعتبرت ــ شكلا ــ تابعة لسلطة لا سلطة لها على تلك القطعة من أرض فلسطين المحتلة التى تذوبها حركة الاستيطان فتلغى هويتها الوطنية وتشرد أهلها، منذرة بنكبة جديدة سوف تحل بهذا الشعب المضيعة حقوقه فى بعض البعض من أرضه، فضلا عن امتهان إنسانيته بتشريده داخل ما كان وطنه، من غير أن ننسى أن أكثرية هذا الشعب مشردة أصلا خارج وطنها نتيجة للحرب الإسرائيلية المفتوحة.

لقد حقق نتنياهو نصرا مجانيا على العرب مجتمعين، بعنوان مصر، ولن ينفع الفلسطينيون لوم الرئيس الأمريكى الذى أطلق سلسلة من الوعود والآمال التى اضطر إلى التراجع عنها بل وإلى التنكر لها من قبل أن يجف حبرها.. ولن تنفع أصداء كلماته فى خطابه جميل العبارة فى جامعة القاهرة فى التخفيف من وطأة الشعور بالمرارة والخذلان الذى يغرق فيه عرب الاعتدال، على وجه الخصوص، بل إن رمز التطرف الإسرائيلى قد أفاد من التراجعات العربية عامة، والفلسطينية خاصة، لكى يندفع إلى الأمام فيواجه الرئيس الأمريكى الذى تراجع أمامه ــ مجبرا أو مختارا، لا فرق!! ــ فشطب إسرائيل من قائمة الدول المطالبة بإخضاع منشآتها النووية لرقابة الدولية.

4 ــ
إن العديد من الأنظمة العربية يواجه شعوبه ويغفل عن عدوه الحقيقى، بل لعل بعض هذه الأنظمة قد سقط فى موقع الحليف الفعلى للعدو الإسرائيلى.

إن هذا النظام العربى يهرب من مواجهة عدوه، إلى مواجهة شعوبه.
إن الأرض العربية تشهد نذرا بمجموعة من الحروب الأهلية التى سوف تستنزف قدراتها وتهدد كياناتها بمخاطر التمزق والاندثار: من اليمن إلى السودان، مرورا بالعراق، وصولا إلى لبنان، فضلا عن فلسطين..كل هذه الأقطار مهددة فى وجودها كدول.

إن إسرائيل موجودة كعنصر تخريب.
إنها تعمل على تدمير العراق ولابد أن لها يدا فى حرب اليمن، وهى موجودة قطعا فى السودان، بل إن بعثاتها تجول فى أفريقيا تحرض ضد مصر ودورها الطبيعى الذى كان عاملا مساعدا وأحيانا حاسما فى تحرير العديد من أقطار أفريقيا، كما أنها تحرض ضد اللبنانيين الذين بذلوا عرق الجباه والزنود فى معظم أقطار أفريقيا، وساهموا فى بناء مدنها وعمرانها.

لقد باتت إسرائيل عنصر تخريب داخليا فى معظم الأقطار العربية.
إنها ما زالت تقاتل على كل الجبهات لتدمير قضية فلسطين وإرادة شعبها وروابطه مع أهله العرب.

ومن أسف أن العديد من هذه الدول تساعد إسرائيل فى حربها هذه.. وحتى السلطة بضعفها تساهم فى تعزيز الموقف الإسرائيلى.

*******

ونعود إلى مصر التى فجع نظامها، بالهزيمة النكراء التى لحقت بها فى معركة اليونسكو.

لم تنفع الزيارة الرئاسية إلى واشنطن واللقاء مع خطيب جامعة القاهرة، الرئيس الأمريكى ذى الجذور الأفريقية باراك أوباما، لم ينفع التحالف مع الإدارة لمواجهة الخطر الشيعى ــ النووى ممثلا بإيران، والذى خدم مجانا إسرائيل ومكن لها أكثر فأكثر فى المنطقة، عبر استقبال رؤساء حكوماتها ووزرائها مرارا وتكرارا فى القاهرة وشرم الشيخ، بينما أياديهم ملطخة بعد بدماء الفلسطينيين فى غزة وسائر أنحاء فلسطين، كما فى لبنان بجنوبه وشرقه وعاصمته بيروت وضاحيتها النوارة.

5 ــ
لم ينفع التنازل عن المبادرة العربية وتجاوزها إلى ما يشبه «الصداقة» مع إسرائيل، بل والتعاون معها على من يقاومها.

لقد ضاع ذلك كله هباء، وخذل الحلفاء والأصدقاء جميعا مصر بشخص فاروق حسنى، فمنعوا وصوله إلى رئاسة اليونسكو.

طيب. ماذا بعد؟ ماذا عن الغد؟!
هل تعّلم النظام العربى شيئا؟!
ليس فى الجو ما يوحى بذلك ومع ذلك فلتأمل خيرا فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.. وبالذات وليس بالغير.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved