الحج.. هذه الطاقة الهائلة والمهدرة

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 30 سبتمبر 2015 - 9:15 ص بتوقيت القاهرة

ليس من سمع مثل الذى رأى بعينه على الطبيعة. طوال يوم عرفة، وايام منى الثلاثة، وامام الحرم النبوى فى المدينة واخيرا امام الحرم المكى، رأيت طاقة روحية هائلة لعموم الحجاج، لكن للأسف الشديد هى طاقة جبارة غير مستغلة لتحسين احوال المسلمين، لأنه ما قيمة كل الطقوس والمناسك والبكاء والتأثر، ونحن فى الواقع نتقاتل طائفيا وكل فرقة وجماعة تكفر الأخرى حتى داخل المذهب نفسه؟!!.

فى الصلوات على عرفة أو فى الحرم أو فى الشارع الجميع سواسية، لا فرق بين عربى وعجمى أو بين غنى وفقير إلا بالتقوى والعمل الصالح، لكن على ارض الواقع اليومى المعاش الصورة ليست كذلك.

فى الطريق من عرفة إلى المزدلفة ومنها إلى منى ثم إلى مكة، العديد، رأيت الكثير من الحجيج لا يقيم فى فنادق بل يفترش الشارع، وتبدو عليهم علامات الراحة والرضا. هؤلاء تركوا كل شىء دنيوى وجاءوا من كل بقاع الأرض املا فى تأدية الركن الخامس وحضور الجمعية العمومية للمسلمين والاستغفار من ذنوبهم.

بعد عصر يوم الجمعة توجهت من مكة مع مجموعة من الزملاء إلى منى لرمى جمرات اليوم الثانى والمبيت هناك لإلقاء جمرات اليوم الأخير من ايام التشريق.

كل الطرق المؤدية لمنى كانت مغلقة تقريبا بسبب تداعيات الحادث الكارثى لتدافع الحجاج فى منى او نتيجة الزحام الطبيعى الناتج عن تواجد اكثر من مليونى حاج فى مساحة لا تزيد على اقل من عشرة كيلومترات.

نزلنا من الاتوبيس وسرنا على اقدامنا، وهو الامر الذى فعله الجميع ما عدا سيارات بعض المواكب الرسمية والدبلوماسية، وهكذا كان هناك نهر متدفق من البشر بلا نهاية.

طوال هذه الرحلة التى سرنا خلالها اكثر من ١٢ كيلومترا، رأيت الوجه الأنصع والأبهى للإسلام، وجه يذكرك بالصورة المثالية التى نتمنى تطبيقها. رأيت سيدة عجوز وملامحها افريقية، لم تستطع اكمال السير فاضطرت للنوم على جانب الطريق، وشخص يبدو انه ابنها يقوم بالتهوية لها بمروحة من الورق.

ابن آخر من الهند، يحمل والده فوق كتفيه ويسير به إلى الجمرات، لأنه لا يملك مالا ليستأجر «كرسيا متحركا».

البر بالوالدين امر طبيعى، وفى المقابل وطوال الطريق كان هناك المئات من فاعلى الخير يوزعون المياه والفاكهة واللبن الرايب، ورأيت اعلاميا مصريا كبيرا يتبرع بجزء كبير من المال، ويجمع من زملائه لشراء وجبات ساخنة وتوزيعها على المحتاجين من الحجاج. روح التراحم والتواد والتشارك والأخوة الحقيقية كانت فى افضل تجلياتها، هى الروح التى تشعرك بأن الجميع اخوة فعلا.

لكن للأسف فإن السؤال الضاغط والملح دائما هو : متى يتحول سلوكنا المثالى فى الحج، الى سلوك يومى بحيث نطبق الحد الأدنى من تعاليم ديننا الداعية إلى الرحمة والتراحم والعدل والمساواة؟.

هذا هو ما يدعو اليه الاسلام فى جوهره الحقيقى، وجوهر كل الأديان السماوية بل والوضعية. السلوك التلقائى لبسطاء المسلمين العاديين خلال موسم الحج هو ما ينبغى ان يكون سائدا، لكن للأسف فإن هذا النموذج غير ظاهر، صار لدينا عشرات النماذج الفجة المشوهة للاسلام، البعض اختطف الاسلام وتاجر به لتحقيق اغراض خاصة بجماعته المحدودة مثل الإخوان ومعها جماعات سنية متطرفة مدعومة من دول خليجية متعددة، مثل النصرة والقاعدة واخيرا داعش، الذى يزعم انه «تنظيم الدولة الاسلامية»، ويقتل ويحرق ويخرب ويدمر ويشوه باسم الإسلام، ثم هناك جماعات شيعية متطرفة مدعومة من ايران تفعل نفس الامر فى العراق وسوريا واليمن، واحيانا جماعات تخدر الناس فى حلقات دروشة، واخيرا انظمة حكم تلوم على الجماعات المتطرفة التجارة بالدين، وهى تفعل الامر نفسه لكن شرط ان يكون مؤيدا لها!!.

كيف نعيد الاسلام دينا انسانيا تقدميا منحازا للعدل والعمل والإنتاج والحرية والمساواة والعقل والعلم والتقدم، ونوقف المتاجرة به أو تحويله سلاحا فى يد جماعات متطرفة أو انظمة ظالمة لتكريس الفقر والظلم والتخلف؟.

ما سبق بالضبط هو جوهر ما نريده حينما نتحدث عن اصلاح الخطاب الدينى، بحيث نعيد اكتشاف الاسلام المنحاز لقيم الحق والاعتدال والعدل والحرية والمساواة واحترام حقوق الانسان، وليس للقتل والجهل والتطرف والاستبداد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved