القضية ليست الارتجال.. بل السياسات

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 30 سبتمبر 2016 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

ليست المشكلة فى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يرتجل أو يلتزم بالحديث من نص مكتوب، بل أظن أن الأساس هو بعض السياسات المتبعة، وظهور الكثير من المعارضين لها. والدليل أن كثيرين ممن يعارضون الارتجال الآن، سبق لهم أن ايدوه، الفارق الوحيد انهم كان وقتها مع السيسى وسياساته.

ورغم ذلك، ولو كنت مكان السيسى لتوقفت فورا عن الارتجال خلال الخطابات والتصريحات والحوارات والمقابلات الإعلامية، والسبب أن ضررها صار أكبر من نفعها.

أدرك تماما نوايا الرئيس الطيبة، وأنه يريد ــ عن طريق اقتراح الفكة مثلا ــ أن يجمع أكبر قدر ممكن من التبرعات، لانجاز العديد من المشروعات خاصة الموجهة للفقراء.

لكن فى السياسة وشئون الحكم، فإن النوايا الطيبة وحدها لا تفيد. المهم النتيحة المتحققة على الأرض. ومن الواضح تماما أن بعض العبارات والمصطلحات والكلمات والدعوات التى يستخدمها الرئيس فى حواراته وخطاباته، صارت تستخدم سلاحا ضده بشكل لا يخطر على بال، وهو الأمر الذى أدركه حتى بعض الأنصار المقربين جدا من الرئيس السيسى.

عندما طالب الرئيس يوم السبت الماضى من المصريين التبرع بـ«الفكة»، كنت حاضرا للخطاب على هامش افتتاح مشروع «بشاير الخير» فى غيط العنب بالإسكندرية، وأدركت أن التعبير سيتحول إلى «حفلة» على وسائل التواصل الاجتماعى، وهو ما حدث بالفعل.

غالبية النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعى، خصوصا المعارضين للرئيس نسوا تماما مشروع بناء ١٦٣٢ وحدة سكنية للفقراء فى غيط العنب. وهو ما يعنى تحسين حياة نحو عشرة آلاف مواطن محتاج، وركزوا فقط على دعوة التبرع بالفكة.

هل نلومهم على ذلك؟ حتى لو فعلنا، فإن النتيجة النهائية أن هذا الارتجال من جانب الرئيس، صار سلاحا شبه يومى للنيل منه شخصيا ومن الحكومة ومن كل النظام، بصورة أقرب إلى الاغتيال المعنوى أو اغتيال الصورة.

والمنطقى أن المعارضين سيقولون: من حقنا أن نستخدم كل الأسلحة فى معارضة الرئيس. وبالتالى فليس مهما من هو المخطئ، ومن المصيب. وعند لحظة معينة لا يمكن أن نلوم كل الناشطين على السوشيال ميديا؛ لأنه فى السياسة ينبغى أن تستخلص العبر والدروس وتتخذ قرارا بتغيير الاتجاه.

عندما تحدث السيسى قبل ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وقال فى بيانه الشهير إن «الشعب لم يجد من يحنو عليه أو يرفق به» بالصوت المميز للعقيد ياسر وهبة، أيدها وتفاعل معها غالبية المواطنين الناس، وكذلك عبارة «هو انتو مش عارفين إنكم نور عينيا، ولا إيه؟». الآن لو تكررت هذه العبارات وغيرها من العبارات المماثلة التى تحدث بها الرئيس عندما كان وزيرا للدفاع أو فى شهور حكمه الأولى، فلن يكون لها نفس الوقع والتأثير، والسبب الجوهرى هو أن الناس تحكم على العبارات والتصريحات والجمل من خلال واقعها المعاش والاوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وبالتالى فالسؤال الجوهرى ليس هو: هل ينبغى على الرئيس ان يرتجل ام لا، بل لماذا يهاجم الكثيرون الرئيس على ارتجاله، رغم أن بعضهم كان ليس فقط مؤيدا للرئيس بل ولارتجاله ايضا؟.

مرة اخرى الاجابة هى بسبب الازمة الخانقة التى تعيشها البلاد فى مجالات كثيرة سياسيا واقتصاديا.

أدرك أن الرئيس يفضل الارتجال لأنه أداة تواصل سريعة ومباشرة مع الناس خصوصا البسطاء منهم. وغالبية روساء العالم يرتجلون. لكن هذا الأمر صار ينتقص من هيبة الرئيس والرئاسة، ويكلفه الكثير.

يمكن مثلا كحل وسط أن يتم مناقشة مسبقة للأفكار والعبارات والمصطلحات، التى يود الرئيس أن يتحدث بها. كما حدث على ما أعتقد فى ارتجاله أمام الأمم المتحدة أخيرا.

ليس عيبا أن يفعل الرئيس ذلك مع كبار مساعديه ومع خبراء متخصصين فى الإعلام والعلاقات العامة، ووسائل التواصل الاجتماعى. خصوصا أن جزءا كبيرا من الناشطين على «السوشيال ميديا» صار فى صف المعارضة الجذرية للرئيس وحكومته. وصار يعارض حتى قبل أن يسمع ماذا قال الرئيس، وسوف يتصيد أى كلمة أو عبارة، وينسى جوهر الموضوع.

وسائل التواصل الاجتماعى صارت سلاحا فعالا وربما تتحول إلى أحزاب المعارضة الحقيقية فى مصر، فى ظل أن أحزابنا الفعلية عاجزة أو محاصرة أو مفككة أو كارتونية.
وبالتالى، فليس من الحكمة أن يوفر لهم الرئيس المادة الخصبة لانتقاداتهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved