قضية المعتقلين السياسيين مفتاح لتخفيف الاحتقان

مصطفى النجار
مصطفى النجار

آخر تحديث: الجمعة 30 أكتوبر 2015 - 12:35 م بتوقيت القاهرة

إذا أردتَ أن تعلَمَ قسوةَ السجان وتواطؤ السجن فاسأل سجيان، أو ذويه، إذا أردتَ أن تتذوَق صِدق المعاناة، وتتذوق طعمَ الحياة الآخَر فرجاء لا تقرأ رواية عن الحب السرمدى ولكِن اقرأ فى أدبِ السجون (الطاهر بن جلون فى رواية تلك العتمة الباهرة)، مساكين أولئك الذين ظنوا أنَ الموت أو الغياب السحيق سوف يُودِى بصاحب الجب، لم يَدُرْ فى خلدهم يوما أن الفضاءات المطلقة تبدأ من الجحور الضيقة، هنالك تصنع الحياة، ويُعاد ترتيب مُكوناتها، هناك يتهجأ الإنسان حروف ولادته من جديد (أيمن العتوم من رواية يا صاحبى السجن).

عرفت مصر أدب السجون الذى جسدته الأعمال الفنية والأدبية فى النصف الأول من القرن العشرين إبان الاحتلال الإنجليزى ثم عقب فترة الستينيات بشكل خاص وارتبط هذا الانتاج بفترات الاستبداد السياسى وخنق الحريات وقمع المعارضين، أدب السجون مرتبط بشكل أساسى بالدول البعيدة عن الديمقراطية والتى تشهد ممارسات تنتهك حقوق الانسان وتهدر كرامته ولعل أهم الروايات العربية التى كُتبت فى هذا الاتجاه وثقت تجارب حقيقية شديدة الإنسانية والمأساوية فى مصر وسوريا.

•••

فى يونيو 2012 صدر تقرير مهم عن مؤسسة ماعت الحقوقية عن أوضاع السجناء بمصر قالت فيه إن مصر بها 180 ألف سجين بـ45 سجنا فى أنحاء الجمهورية، 28% منهم مدانون فى تهم مادية وقروض والأوضاع الاقتصادية الصعبة هى الدافع الأساسى لارتكابهم الجريمة، وأشار التقرير إلى أن نحو 28.8% منهم عليهم أحكام مخدرات ما بين اتجار وتعاطى، و4.7% اعتقال سياسى، و12.7% مقاومة سلطات وبلطجة وشروع فى قتل، و4.5% تزوير ونصب وسرقة، و9.5% قتل، و5% حيازة سلاح، و6% تهم أخرى. ومن عدة شهور قالت منظمة هيومان رايتس ووتش أن عدد المعتقلين السياسيين فى مصر يقدر بنحو 41 ألف معتقل وأصرت الحكومة على أنه لا يوجد معتقلين سياسيين فى مصر وأن كل الموجودين بالسجون هم محبوسون احتياطيا على ذمة قضايا أو صدر ضدهم أحكام واجبة التنفيذ وهو ما تراه المنظمات الحقوقية التفافا حول قضية المعتقلين السياسيين التى تصاعدت بالتوازى معها ظاهرة الاختفاء القسرى وعودة زوار الفجر.
لفت نظرى خلال الأسبوع الماضى ما نشرته الصحف عن تظاهر العشرات من أعضاء منظمة العفو الدولية بنيوزيلندا، تضامنا مع الطفل محمود محمد، المعروف إعلاميا ب (معتقل التيشيرت) ومحمود محمد أحمد، طالب بالصف الثانى الثانوى، ألقى القبض عليه فى 25 يناير 2014 خلال أحداث الذكرى الثالثة للثورة بسبب «تيشرت» ارتداه وكتب عليه جملة «وطن بلا تعذيب». ووجهت له اتهامات بـ«الانتماء إلى جماعة إرهابية، حيازة مفرقعات ومولوتوف، والتحريض على أعمال عنف»، وما زال فى السجن حتى الآن رهن الاعتقال.
الجدل الدائر بين الحكومة والحقوقيين حول قضية المعتقلين السياسيين لن يغير من حقيقة تأثير هذه القضية عن عزوف الناخبين عن المشاركة فى الانتخابات البرلمانية الحالية ومقاطعة الشباب للعملية السياسية وانهيار ثقتهم فى السلطة وعدم رضاهم عن ممارساتها، يُصر البعض على تسطيح الأمور والايحاء بأن الأصوات الشبابية الغاضبة محدودة وأنها مجرد انعكاس لبعض النشطاء السياسيين المعروفين من أصحاب الصوت الاحتجاجى العالى والحقيقة أن المسألة أعقد من ذلك بكثير.
حالة الانفصام بين الشباب والسلطة آخذة فى الازدياد ولن تنجح هاشتاجات تافهة على مواقع التواصل الاجتماعى فى التحقير من قضية المعتقلين السياسيين أو الترويج لمبررات لإبقاء الشباب بالسجون، الاحتقان يتصاعد والنفوس تغلى والغضب يتفاقم والمشهد السياسى العام مثير للإحباط ويؤكد على صدق خيار الانصراف عنه لعدم جديته وهزله وقبحه بعد أن امتلأ ببلطجية السياسة وأبواق الشتائم وآلهة الوطنية الذين يكيلون الاتهامات الحقيرة للشرفاء ويوزعون صكوك الوطنية على هواهم فى ابتذال منحط.

•••

لا أحد يصدق أننا نسير فى الاتجاه الصحيح فكل الشواهد تؤكد أننا على خطر عظيم، يبدو المشهد فى مصر الآن كإناء يغلى ويتصاعد منه البخار فنقوم بإحكام غلقه بدلا من فتحه للتنفيس ومنع انفجاره، هذا ما يحدث فى مصر حرفيا، فبدلا من انهاء قضية المعتقلين السياسيين إذا بهم يزيدون وترتفع أعدادهم وتتوسع دائرة البطش لتطال أناسا لا غبار عليهم كان آخرهم الصحفى والباحث المعروف هشام جعفر الذى تعكس كتاباته وأطروحاته قيم الاعتدال والتسامح وتتجلى منها المهنية الرفيعة التى علمها لكثير من شباب الاعلاميين والباحثين الذين تتلمذوا على يديه.
نحن ندير مصر بمنطق الخوف وكل من يتوقع منه أى تأثير محتمل لا بد من إخراس صوته بطريقة ما، فهذا يتم اغتياله معنويا عبر الاعلام وهذا يتم اعتقاله وهذا يتم ابتزازه وارهابه بتلفيق وافتراء وزيف مع إفساح الفرصة للشتامين ومدعى الوطنية لتصدر المشهد ومنع المعارضين من الظهور فى الاعلام واقتصار المساحات المتاحة لهم فى عدة سطور يكتبونها قد لا تصل إلى عدد محدود.
الانفراد بالرأى وإقصاء المختلف يخلق طبقة سياسية طفيلية تنافق النظام وتمجد فيه وتعميه عن الشعور بالسلبيات والمخاطر واذا عصفت الرياح يوما بالسفينة فإن هؤلاء سرعان ما يقفزون منها خوف الغرق ويبحثون عن سفينة أخرى، قضية المعتقلين السياسيين قضية تأسيسية ومفتاح لتخفيف الاحتقان الحالى والتقاط الانفاس لإعادة قراءة المشهد وتصحيح المسار، عدم إدراك أننا وصلنا لمرحلة التيه كارثة لأننا لن نكلف أنفسنا بالبحث عن مسارات النجاة، فلنفتح أبواب الحرية لندلف للمستقبل.

عضو مجلس شعب سابق

اقتباس
الانفراد بالرأى وإقصاء المختلف يخلق طبقة سياسية طفيلية تنافق النظام وتمجد فيه وتعميه عن الشعور بالسلبيات والمخاطر واذا عصفت الرياح يوما بالسفينة فإن هؤلاء سرعان ما يقفزون منها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved