الحاضنة الحقيقية للشعب الفلسطينى

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الإثنين 30 نوفمبر 2015 - 11:20 م بتوقيت القاهرة

فى 2010، دونت فى هذه المساحة أربعة أسباب تدعو إلى الامتناع عن أسلمة الصراع العربى مع إسرائيل. وأكرر اليوم شرح أسباب الامتناع لعلنا كعرب لا نتورط فى المزيد من الانحراف عن معانى الحق والعدل المرتبطة باغتصاب أرض الشعب الفلسطينى وتهجيره وحرمانه من حق تقرير المصير.
السبب الأول هو حقيقة أن صراعنا كعرب، ونحن بكل تأكيد نضم بين صفوفنا خليطا من المنتمين للإسلام والمسيحية واليهودية، ليس مع اليهود كأتباع ديانة بل مع إسرائيل كدولة فصل عنصرى، والعنصر المضطهَد هو العربى الفلسطينى وليس الدينى المسلم، مع إسرائيل كدولة احتلال مارست وتمارس حكوماتها المتعاقبة عنفا مستمرا ضد الفلسطينيين وتسلبهم جميعا على اختلاف انتماءاتهم الدينية حق تقرير المصير.
السبب الثانى هو أن أسلمة الصراع العربى مع إسرائيل تعنى تحويله إلى صراع وجودى لا نهاية له بين«المسلمين» و«اليهود»، والإقصاء المطلق والكامل لإمكانية التوصل إلى حلول وسط مشتركة تضمن التعايش السلمى للقوميات والديانات المختلفة على أرض فلسطين التاريخية. ومازالت أصداء حل «الدولة العلمانية الواحدة»، والذى يترجم قانونيا ومجتمعيا وسياسيا مبدأ التعايش السلمى، تتردد فى بعض دوائر اليسار فى إسرائيل وبين الفلسطينيين.
السبب الثالث هو أن القضية الفلسطينية إنما هى قضية شعب وأرض وتاريخ وثقافة ومقدسات ورمزية، وكل هذا لا يقتصر بأى حال من الأحوال على المكون الإسلامى وحسب. فاختزال فلسطين إلى تحرير القدس، ثم اختزال القدس بمقدساتها المسيحية والإسلامية إلى استعادة المسجد الأقصى خطأ عظيم يرتب فى التحليل الأخير اختصار حق الفلسطينيين الشامل والمبدئى فى تقرير المصير إلى استعادة مقدسات دينية. تظل المقدسات الدينية على أهميتها الكبرى ورمزيتها الطاغية أحد وليس كل مكونات قضية الشعب الذى هجر وأجبر على الحياة تحت سلطة محتل عنصرى، قضية الأرض التى فقدت، قضية تاريخ القهر الطويل الذى آن له أن ينتهى.
السبب الرابع هو التنامى الملموس للتعاطف الإنسانى العالمى مع الفلسطينيين إزاء عنف وعنصرية تل أبيب، والاتساع البين للتضامن الشعبى وغير الحكومى معهم على أرضية تأييد حقهم المشروع فى تقرير المصير وضرورة حمايتهم بمحاسبة دولة إسرائيل وإنهاء وضعيتها الخاصة كدولة فوق القانون.
هذه التطورات، وشىء من تداعياتها الإيجابية يظهر فى التحول الواضح فى اتجاهات الرأى العام فى المجتمعات التى دوما ما تعاطفت مبدئيا مع إسرائيل وامتنعت عن معارضة سياساتها العنيفة كالولايات المتحدة وكندا وأوروبا الغربية، تعنى أن الحاضنة الشعبية للقضية الفلسطينية كقضية شعب وأرض وتاريخ لم تعد تقتصر على العرب والمسلمين.
اليوم، تتمدد هذه الحاضنة الشعبية على نحو يتخطى الحواجز الدينية والقومية، وتعرض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لضغوط غير مسبوقة، وترفض الصمت على جرائم الاحتلال والاستيطان والعنف المستمر ضد الفلسطينيين. والمؤكد أن ما يجمع نشطاء اليسار الأوروبى ودعاة حقوق الإنسان الأمريكيين وأعضاء الحركات المناهضة للعنصرية والاستعمار الجديد فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية مع المتضامنين مع فلسطين بين الشعوب العربية والإسلامية ليس هو النظر إلى قضية فلسطين كقضية دينية، بل كقضية إنسانية لشعب مضطهد ومقهور يتوق للحرية وتقرير المصير.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved