غرام أولياء العهد السعودى بتوماس فريدمان

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 30 نوفمبر 2017 - 10:55 م بتوقيت القاهرة

خمسة عشر عاما فصلت بين لقاءين مهمين جمعا وليى عهد سعوديين بالكاتب الصحفى الأمريكى بصحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان. وتتطابق سيناريوهات المقابلتين على الرغم من اختلاف السياق العام والخاص الذى جمع فريدمان بولى العهد الأسبق الذى أصبح ملكا فيما بعد عبدالله بن عبدالعزيز قبل سنوات، وذلك الذى جمعه مع ولى العهد الحالى محمد بن سلمان قبل أيام. وبعيدا عن وزن الكاتب فريدمان وأهمية نيويورك تايمز، فقد جاءت المقابلتان بعدما هاجم وشكك فريدمان فى موقف السعودية وتحديدا سلوك ولى العهد هذا وذاك. 

وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية التى اقترفها 19 شابا منهم 15 سعوديا فزلزلت علاقات الرياض الراسخة مع واشنطن، وامتلأت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة بتقارير ومقالات تهاجم المملكة السعودية، وكل ما يتعلق بها كرد فعل على الهجمات الإرهابية. وكتب فريدمان كغيره طاعنا فى السعودية دولة ومجتمعا، سياسة وثقافة، مع نقد لاذع مباشر للأسرة المالكة وخاصة ولى العهد الحاكم الفعلى لها حينذاك، وتساءل فريدمان عن الطريق الذى سيسلكه حكام الرياض، وعن الإصلاح الواجب القيام به فى الداخل السعودى. هاجم فريدمان التعاليم الوهابية المتشددة التى يراها مساندة للفكر الراديكالى، وهاجم فريدمان مناهج التعليم المدرسية السعودية التى لا تحث على الاختلاف والسماحة تجاه الآخر المختلف دينيا وعقائديا، وهاجم تمويلها لبناء مساجد ومدارس حول العالم. وكذلك هاجم السعودية التى رآها فقط كمحطة بنزين لا خير من ورائها إلا تصدير النفط والتطرف حول العالم، وعاير فريدمان السعودية بأنها تستورد التكنولوجيا ولا تستطيع تصنيعها رغم ما تمتلكه من أموال. وحاولت السعودية عن طريق إنفاق الملايين من الدولارات داخل واشنطن أن تتجمل وتُحسن من صورتها العامة لكن بلا جدوى. ثم كتب فريدمان مقالا فى نيويورك تايمز بعد أقل من أربعة أشهر على 11 سبتمبر عنوانه «أين خطة العرب للسلام؟» هاجم فيه ما رآه موقفا عربيا سعوديا سلبيا تجاه عملية السلام! واقترح ضرورة وجود مبادرة عربية أضلاعها الأساسية تتمحور حول الانسحاب الإسرائيلى لحدود 1967 مقابل التطبيع بين إسرائيل وأعضاء الجامعة العربية. وشرح فريدمان تفاصيل ذلك كله فى حوار مهم مع الأستاذ حافظ المرازى على شاشة الجزيرة حينذاك. 

وبعد أسبوع من مقالته، وجد فريدمان نفسه مدعوا على مائدة العشاء مع ولى العهد السعودى الأمير عبدالله الذى سأله كما ذكر فريدمان «هل اقتحمت مكتبى وقرأت فى درجى خطابى للقمة العربية الذى يشبه ما كتبته أنت؟».
إلا أننى أتصور أن موضوع مبادرة السلام لم يكن إلا وسيلة أعتقد حكام الرياض أنها مخرج مناسب من ضغوط ما بعد 11 سبتمبر داخل واشنطن. كان التفكير السعودى للخروج من الأزمة ولتحسين صورتها، وعدم خسارة واشنطن هو طرح «مبادرة سلام عربية». وكان لزيارة فريدمان للرياض مفعول السحر إذ إنه لم يتوقف فقط عن الهجوم على السعودية فحسب، بل تمادى ليصف ولى العهد الأمير عبدالله بأنه مصلح يريد إحداث هزة كبيرة داخل السعودية، عن طريق تطبيق إصلاحات داخلية تقضى على تزايد بطالة الشباب، وتنقل المملكة لعالم الحداثة والعولمة.

***

ويعيد فريدمان اليوم تكرار نفس السيناريو فقط مع اختلاف هوية ولى العهد! قبل ثلاثة أسابيع كتب فريدمان محذرا من سلوك ولى العهد الشاب المتهور. وكتب فريدمان منتقدا سلوك الأمير الصغير مؤكدا أنه كى تقوم بعملية مكافحة الفساد لابد أن تكون أنت نظيفا، وأشار لشراء بن سلمان يختًا سعره أكثر من 550 مليون دولار قبل أشهر، وأن ما يقوم به من إجراءات بحق من يتهمهم بأنهم فاسدون لا علاقة له بمكافحة الفساد. كذلك انتقد سياسات ولى العهد تجاه اليمن والتى سببت مآسى إنسانية لا تحصى خاصة مع وقوع آلاف الضحايا من الأطفال نتيجة الحصار السعودى، وانتقد كذلك سياساته تجاه لبنان ورئيس وزرائها سعد الحريرى، وانتقد تهوره ومعاداته غير الرشيدة لإيران.

وأشار كذلك فريدمان إلى أن بن سلمان يغير منظومة الحكم السعودى المستقر القائم على حكم ائتلافى واسع من العائلة المالكة، والتى تتخذ قراراتها الهامة بالتوافق، ويريدها دولة الرجل الواحد، وكان ذلك ظاهرا من الاعتقالات التى شنها على خصومة السياسيين وكبار رجال المال السعوديين.

***

لم ينتظر فريدمان طويلا حتى اصطحبه السفير السعودى الجديد لدى واشنطن خالد بن سلمان للقاء خاص مع شقيقه ولى العهد محمد. قضى فريدمان عدة أيام بالرياض منها ساعات طويلة مع بن سلمان داخل قصر العوجا، وتناولا خروفا مشويا مع أشخاص من الدائرة المقربة من ولى العهد. وعاد فريدمان ليكتب مقالا طويلا فى نيويورك تايمز تبلغ مساحته ضعف مقالات الرأى التقليدية. ولم يخجل الكاتب الأمريكى من القول إنه «لم يخطر فى بالى قط أننى قد أعيش لأصل إلى لحظة أكتب فيها الجملة الآتية: العملية الإصلاحية الأهم الجارية حاليا فى الشرق الأوسط هى تلك التى تشهدها المملكة العربية السعودية. نعم، لم تخطئوا فى القراءة. مع أننى وصلت إلى هنا فى مطلع فصل الشتاء فى المملكة، وجدت أن البلاد تشهد ربيعا عربيا، على الطريقة السعودية»!.

ولم يُظهر فريدمان خبراته الصحفية فى توجيه أسئلة تتعلق بجدوى سياسات بن سلمان ومبادراته التى أدت لكوارث فى اليمن والخليج، أو تلك عديمة الجدوى كالتحالف الإسلامى ضد الإرهاب. مقال فريدمان جاء كخطاب عاطفى جياش مليء بالأمنيات ليس فقط للسعودية بل للعالم الإسلامى الذى دعاه للاعتماد على بن سلمان لتغيير طابع الإسلام وفحواه.
لم يتحدث فريدمان عن غياب الحريات والحقوق السياسية للسعوديين، ولا عن غياب سيادة القانون ولا استقلال القضاء. ولم يتعرض فريدمان ولا بن سلمان لقانون جاستا والذى بمقتضاه تواجه السعودية مئات القضايا التى رفعها ضدها عائلات ضحايا 11 سبتمبر لعلاقة مزعومة للرياض بهذه الهجمات. ولم يتعرض فريدمان ولا بن سلمان للعلاقات الخاصة التى تجمع بين ولى العهد وبين ترامب وصهره كوتشنر.

قبل خمسة عشر عاما خرج فريدمان ظافرا بالمبادرة العربية لحل الصراع العربى الإسرائيلى، ومنحه ولى العهد الأمير عبدالله مكانة عالمية كبيرة بسبب السبق الصحفى الذى نُسب إليه. واليوم لا نعرف بماذا ظفر فريدمان من لقائه الثانى مع ولى عهد لا يتمتع بخبرة وحنكة ولى العهد الأسبق، ناهيك عن معرفته بكيفية صنع ومؤسسية السياسات الأمريكية.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved