هل للبرلمان وظيفة أهم من التشريع؟

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 30 ديسمبر 2014 - 9:10 ص بتوقيت القاهرة

فى لقاء مع مجموعة من المحررين البرلمانيين يوم الخميس الماضى، صرح السيد وزير العدالة الانتقالية بأن مشروع قانون الاستثمار الجديد سوف يعرض هذا الأسبوع على رجال الأعمال والمستثمرين من أجل الانتهاء منه قبل يوم 15 يناير المقبل وبحيث يصدر قبل انعقاد المؤتمر الاقتصادى فى شهر مارس المقبل. إلى هنا لا يوجد فى تصريح السيد الوزير ما يثير الدهشة، بل حرص على إطلاع الرأى العام على الجهد الذى تبذله الحكومة من أجل تحسين مناخ الاستثمار والعمل على إنجاح المؤتمر الاقتصادى. ولكن المفاجأة أن السيد الوزير قد استطرد ــ وفقا للمنشور فى نفس اليوم ــ أن سبب هذا الاستعجال هو «الحرص على الانتهاء من مشروع القانون فى الوقت الحالى، قبل أن تكون هناك توجهات سياسية تدفع به يمينا أو يسارا فى البرلمان المقبل».

استوقفنى هذا التصريح الأخير لأنه يعبر فى تقديرى عن اتجاه سائد فى الدوائر الرسمية والحكومية يعتبر أن الفرصة لا تزال سانحة لإصدار ما يمكن من القوانين المهمة قبل انتخاب البرلمان، وينظر إلى المجلس التشريعى القادم على أنه شر لابد منه، وإلى نواب الشعب باعتبارهم أصحاب أهواء من اليمين واليسار ومصدر إزعاج للحكومة القادرة وحدها على الإنجاز لو تركت تعمل فى هدوء. وفى تقديرى أن هذا الاتجاه يفسر العديد من المظاهر التى يتسم بها الوضع الحالى:

فهو يفسر أولا التأخير الشديد فى عقد الانتخابات البرلمانية وتجاهل الموعد المقرر لها فى الدستور، وربط ذلك مرة بتقسيم الدوائر ومرة بإعادة ترسيم المحافظات ومرة بالمؤتمر الاقتصادى، بينما الانتخابات هى المناسبة الأهم التى كان ينبغى أن يتحدد موعدها أولا ثم يتم النظر فى باقى المناسبات والاحتفالات والمؤتمرات بناء عليها وليس العكس. ولكن للأسف أن تصريح السيد وزير العدالة الانتقالية يدفع للاعتقاد بصحة ما يردده أصحاب نظرية المؤامرة من أن الدولة تتعمد تأخير تشكيل البرلمان حتى تتمكن من تمرير ما يحلو لها من قوانين دون تدخل أو «وجع دماغ» من نواب الشعب.

وهذا الأسلوب فى التفكير يفسر أيضا عدم اكتراث المسئولين بغياب البرلمان مادام لرئيس الجمهورية سلطة إصدار قرارات بقوانين. وهم بذلك يتجاهلون أن سلطة التشريع التى منحها الدستور لرئيس الجمهورية سلطة استثنائية ومؤقتة إلى حين تشكيل مجلس النواب وبالتالى فلا يجوز التوسع فيها أو اعتبارها سلطة تشريع أصلية لمجرد أن البرلمان لم يتم انتخابه بعد، كما لا ينبغى لها أن تتجاوز ما هو ضرورى. كذلك فمعنى كونها سلطة استثنائية، أن القوانين التى يصدرها رئيس الجمهورية يجب أن يسبقها ويصاحبها حوار فى المجتمع وبين المنظمات السياسية والأهلية والنقابية، بما يعوض ولو بقدر يسير عن غياب التشاور البرلمانى. أما صدور القوانين بغزارة وبشكل مفاجئ اعتمادا على أن البرلمان غائب، فهو يناقض روح الدستور والحكمة من التفويض التشريعى. ولا يكفى الاعتماد على أن الدستور قد منح البرلمان مهلة خمسة عشر يوما لمراجعة كل ما صدر من قوانين فى المرحلة الماضية، خاصة أنها أيضا فترة انشغال الأعضاء بحلف اليمين، واختيار رئيس المجلس ووكيليه، وتشكيل اللجان وانتخاب رؤسائها، وتشكيل الهيئات البرلمانية وتحديد المتحدثين باسمها، والبحث عن الغرف والمقاعد والمطاعم وأماكن الانتظار.

وأخيرا فإن هذه النظرة إلى البرلمان تفسر إصرار الدولة على إجراء الانتخابات وفقا لنظام القائمة المطلقة المعيب، إذ تعبر عن الاعتقاد بأن من سوف يتم انتخابهم فرديا ليسوا إلا أصحاب مصالح خاصة، لا ينبغى أن يشاركوا حقيقة لا فى تشريع ولا فى إدارة لجان ولا فى الرقابة على السلطة التنفيذية، وأن الأحزاب لا يمكنها التصدى للمسئولية ومساندة الحكومة فى هذا الظرف العصيب، وبالتالى يجب الاعتماد على «نواة صلبة» قوامها كتلة المائة والعشرين أعضاء القائمة الفائزة ممن تتوافر فيهم شروط الوطنية والجدية وحبذا الولاء للنظام لكى تدير المجلس وتكبح جماحه وتسيطر على أدائه.

المهم ليس تصريح وزير العدالة الانتقالية فقط، فقد يكون زلة لسان غير مقصودة أو تعبيرا غير موفق، أو قد يرغب فى تكذيبه. الأهم هو التوقف عند رؤية الدولة والرأى العام للبرلمان القادم. من الضرورى أن نعترف بأن برلمانات مصر فى العقود الماضية قد جاءت مخيبة للآمال، وأن أمامنا مشوار طويل حتى يصبح لدينا تراث نيابى يكون فيه النائب معبرا عن الصالح العام وليس عن متطلبات العائلات التى ساندته، وقادرا على التصدى لمخالفات وتجاوزات الحكومة بالحجة والدليل والمنطق وليس بالصياح والتهديد والابتزاز. ولكن من الضرورى أيضا إدراك أننا قد وصلنا إلى هذا الوضع المؤسف ليس لعيب متأصل فى الشعب المصرى ولا لطباع خاصة لديه، بل لأن ما شاب الانتخابات البرلمانية من قبل من تزوير، وتدخل حكومى، وقوانين معيبة، واستهتار بدور البرلمان، وتمويل غير مشروع، واستغلال المنابر الدينية، ومحاولة تحويل البرلمان إلى جهة تصديق على سياسات الحكومة، كل هذا هو ما أدى بنا إلى الوضع الحالى. ولو كررت الدولة الأسلوب ذاته فى الاستهتار بالبرلمان وتحجيمه، ومحاولة الاستغناء عنه، فلا شك أننا سنصل إلى النتيجة ذاتها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved