يتسم بعدم الدقة!

نادر بكار
نادر بكار

آخر تحديث: الخميس 31 مارس 2016 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

العبارة بنصّها كانت محور اتهام تقريرى النيابة العامة ثم اللجنة التى شكلها الرئيس لتقصى حقيقية ما أثاره المستشار هشام جنينة عن حجم الفساد خلال السنة الماضية.. ( يتسم بعدم الدقة) هى العبارة الوحيدة التى يمكننا أن نستخلص منها سببا محددا لرفض تقرير رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات ومن ثم قرار عزله.. (يتسم بعدم الدقة) إذن هى التهمة الواضحة حتى الآن التى يمكن أن يبدأ منها المستشار الدفع عن نفسه كحق نحمد الله أنه مازال مشروعا لم ترتئ السلطات حرماننا منه بعد.. ولنتغافل عن التهم الأخرى التى تتحدث عنها صحف (النظام) وينتشى بترديدها ممثلو (أمن الدولة) فى الإعلام باعتبارها تجسيدا لسادية وشماتة ليس أكثر.. حتى تقرر الدولة شيئا آخر!

عزيزى الذى يتحدث عن الوطنية باعتبارها صكا يمنحه من يشاء ويحرم منه للأبد من يشاء، أرجوك أن تتمهل هذه المرة لأنه ما من شىء يسمح بكل ما جرى للرجل ومازال من اغتيال معنوى وتشويه للسمعة وطعن فى الشرف لقاء تقرير أعده (يتسم فقط بعدم الدقة).. المستشار جنينة أكد فى أكثر من مناسبة أن ما أعلنه من أرقام تتعلق بالفساد إنما تتناول عدة سنوات عوضا عن السنة الواحدة التى زل بها لسانه فى المرة الأولى.. فهل كان الرجل ضحية لتصيد طال رقبته أخيرا ليريح الدولة من إزعاجه؟

هل المشكلة كما يدعى البعض فيما قد يثيره ذلك من مخاوف المستثمرين وبالتالى يدفعهم للإحجام عن الاستثمار فى مصر؟ سيكون هذا من أكثر دفوع أصحاب نظرية (الإنكار) غرابة وسخافة فى آن واحد.. لأن المستثمر الأجنبى لم يكن ليسمع بجنينة أو بالجهاز المركزى للمحاسبات ولا بمؤشرات فساد محلية المصدر لولا أنكم تفضلتم طواعية وأعلنتم للعالم كله إقالة رئيس أرفع جهاز رقابى عقب تقرير أصدره عن حجم الفساد.. هل هناك ما هو أعظم من ذلك دعاية سلبية؟

المستثمر الأجنبى الكبير على غرار (سيمنس) الألمانية وهى بالمناسبة الشركة التى اجتمع الرئيس شخصيا مع مديرها التنفيذى مرارا طبعا لإقناعه بزيادة حجم استثمارات شركته فى مصر؛ لا تحتاج إلى المستشار جنينة ليخوفها من المناخ فى مصر؛ هذه مؤسسات تستقى معلوماتها ومن ثم تبنى قراراتها وفق مؤشرات عالمية يدخل تحتها مؤشر حجم الفساد فى كل دولة.. نغمة المؤامرة هنا ليست فى مصلحة النظام، لأنه هو نفسه النظام الذى يسعى جاهدا للحصول على قرض صندوق النقد الدولى، الذى وياللمصادفة يتعامل بنفس المؤشرات الدولية!

المستثمر الأجنبى فى الحقيقة لن يخوّف بتقرير جنينة، قدر ما سيرعب من بيان وزارة الداخلية فى قضية مقتل (ريجينى) الإيطالى.. الرواية التى ساقتها الداخلية ولم تفلح فى إقناع طفل صغير بها، أثارت العالم ضدنا فوق ما يصل إليه خيال من صاغ البيان ومن اعتمده ومن ظن أنه سيغلق به القضية... هذا إن كان ثمة خيال أصلا!

وعلى ذكر وزارة الداخلية، يا ترى إذا ما شكل الرئيس لجنة لتقصى الحقائق حول، ليس فقط مقتل الشاب الإيطالى وإنما تعامل أجهزة الأمن وعلى رأسها وزارة الداخلية مع الحدث، بأى عبارة أقسى من ( يتسم بعدم الدقة) سيوصف البيان؟ أيُ الخطأين أولى بضياع رقبة صاحبه؟ يتوقف هذا فى الحقيقة على رؤية النظام لمفهوم سمعته خارجيا، وهيبته داخليا...أمّا عقلية (التعتيم) لحفظ الاستقرار واستتباب الأمن فلقد انتهى زمانها فعليا...هذا إن كانت أفلحت فى زمانها أصلا!

للأسف عقليات الستينيات لاتزال مهيمنة، ونظرية (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) مازالت عند الكثيرين شماعة جاهزة يعلق عليها كل خطأ وتدارى بها كل عورة.. والويل كل الويل لمن رفع صوته معترضا فالطرد من جنة الوطن سيكون مصيره واللعن آناء الليل وأطراف النهار سيلازمه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved