متفائل بحذر حتى يصدر الإعلان

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الأحد 31 يوليه 2011 - 8:55 ص بتوقيت القاهرة

 يوم سمعنا وروجنا لمقولة أن قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة استجابت لرغبة جماهير الثورة المصرية النزول إلى المدن لحماية الثوار، تفاءلت بحذر. مرت شهور على ذلك اليوم ولم يتغير التفاؤل صعودا أو هبوطا أما الحذر فازداد.

تفاءلت، وتفاءل معى من هم على شاكلتى. شاكلتى هى جيل ، أو بعض من جيل، نشأ ونضج وتعلم فى عصر سيطر عليه فكر التحديث. كان العصر عصر سعى الشعوب للاستقلال وعصر مقاومة عنيدة من جانب الاستعمار الأوروبى السماح لهذه الشعوب للحصول على قدر تستحقه من التعليم وحق فى بناء المؤسسات العصرية والتزود بأدوات القوة الملموسة، كالصناعة الثقيلة والسلاح والعلوم التطبيقية.

تحقق الاستقلال ولم تجد الشعوب مؤسسة تقود التحديث وتحوز على الأدوات والمهارات والخبرة التنظيمية اللازمة لهذه الوظيفة سوى المؤسسة العسكرية. ولم تكن مصر الدولة الوحيدة التى أوكلت مهمة التحديث إلى قواتها المسلحة. ما لا يعرفه الكثيرون هو أن المؤسسة العسكرية الهندية قامت بدور مماثل باعتبارها كانت جزءا أصيلا من المؤسسة الإدارية التى أحسن البريطانيون تدريبها وتأسيسها.هكذا فعلت المؤسسة العسكرية الصينية والمؤسسة السوفييتية والكورية الشمالية.

تفاءلت، فقد جاء تكليف طلائع الشعب للجيش فى وقت مناسب جدا إذ كانت مصر الدولة التى استقلت وتقدمت فى ميادين عديدة قد عادت خلال حكم مبارك إلى مربع التخلف فى ميادين كثيرة، ليس أقلها شأنا التخلف فى التعليم والإدارة والسياسة الخارجية، وأهمها بالتأكيد التخلف الهائل فى منظومة القيم. كان تكليف المؤسسة العسكرية يعنى بالنسبة لى على الأقل، ضرورة أن تنتبه القوى السياسية الجديدة وقيادات المؤسسة العسكرية للدور الذى يمكن أن تقوم به الأخيرة فى ظل نظام سياسى جديد لوقف مسلسل التخلف والتدهور واستعادة البلاد إلى مستوى الاستعداد المعنوى، للنهوض من جديد. ولم يخطر على بالنا وقتذاك أن أحدا سوف يطلب من مؤسسة مصر العسكرية أن تستعد لدور آخر غير هذا الدور إلى جانب مهامها فى مجال الأمن القومى. البعض أساء التقدير حين تصور أن هذه المؤسسة تستطيع أن تخطط وتقود بنفسها عملية تحديث سياسى، كأن تضع أسسا جديدة لبناء نظام ديمقراطى. هذه ليست وظيفتها، ولم تمارسها بأى درجة من الكفاءة والاتقان فى أى دولة أخرى، والأمثلة عديدة فى أمريكا الجنوبية وإفريقيا وجنوب آسيا وباكستان خاصة.

  



كان المطلوب فى الأيام الأولى من الثورة من قيادة المؤسسة العسكرية، باعتبارها جزءا أساسيا من جهاز الإدارة وبما تتمتع به من قدرات تنظيمية وتعبوية أن تنظم حركة السير فى المجتمع المصرى فى هذه المرحلة الدقيقة والمرتبكة من مراحل التطور السياسى المصرى. الملايين تحركت فى وقت واحد، ومن لم يتحرك بقدميه تحرك بعقله وبأحلامه وبآماله. فجأة كان الوطن يعج بالحركة، وكانت ثورة واعدة بكل معانى الكلمة ولكنها كانت أيضا تغلى بالانفعالات ومطالب الناس وتوتر الهويات وتدخل قوى خارجية، بعضها متعاطف إلى حد سوء الفهم وعدم التقدير وبعضها متوجس خطرا على كيانه وعقيدته ومصالحه. كان المطلوب شاقا، ولكن قابلا للتحقيق إذا توفرت شروط كان الظن أنها يمكن أن تتوفر وإن بصعوبة.

كان المطلوب حماية الثورة فى الداخل كما فى الخارج. ولما كانت الثورة أكبر من أفراد وقوى وجماعات، أصبح ضروريا وحتميا حماية أفكارها، بمعنى آخر كان المطلوب بالنسبة للأطراف «المتعاقدة» واضحا، وهو أن تحافظ المؤسسة العسكرية على أمن وسلامة مطالب التغيير والمطالبين به، والالتزام بتأمين الثورة فى الخارج بمعنى محدد وصريح وهو ترجمة المطالب الثورية المصرية إلى سياسة خارجية وإعلامية ثورية. بمعنى آخر تسليم الثورة إلى القيادة السياسية المنتخبة كما تسلمتها. استلمتها ثورة وتسلمها ثورة.

التكليف بحماية ثورة لا يعنى التكليف بإحداث تغييرات شكلية فى المؤسسات والاجراءات والأفراد. ما حدث فى مصر، وما كان يعد له منذ سنوات، وما كان يحلم به الشباب والكبار على حد سواء، هو ثورة تكشف منظومة قيم فاسدة وأساليب إدارة عقيمة ومجموعة سلوكيات منحرفة ونسق من الأهداف الهزيلة لسياسة مصر الخارجية وتقيم منظومة قيم عصرية وأساليب إدارة حديثة وتصوغ سلوكيات سوية وتنظم نسقا من الأهداف الخارجية يحمى الثورة من أعدائها وخصومها فى الخارج.

التكليف بحماية الثورة لا يعنى بالضررورة أن يتحمل المجلس العسكرى أخطاء الثوار وعواقب خلافاتهم واختلافاتهم، فالمجلس ليس شريكا فى قيام الثورة أو فى وضع أهدافها ولا فى اختيار قادتها ولا فى التضحيات التى قدموها عندما اتخذوا قرار الثورة، ولكن إن شاء المجلس أو بعض أعضائه أو جهات محسوبة عليه أن يصنف نفسه شريكا، فليستعد الجميع لوضع داخلى وإقليمى ودولى مختلف تماما، فالشراكة تعنى أولا الالتزام المطلق والتام بكافة أهداف الثورة ورسائلها، ولكنها فى هذه الحالة، حالة التزام المجلس العسكرى بها كاملة، تعنى ما هو أكثر، تعنى أن الثورة هى التى تحكم وتدير وليس أحد آخر بالتكليف أو الوكالة.

  



وأظن أن القرار فى هذا الشأن أشد تعقيدا مما يبدو فى الظاهر. وهنا يكمن أحد جوانب الحذر المرافق لتفاؤلى ومن هم على شاكلتى. التفاؤل قائم، ولكن الحذر بجوانبه العديدة مصاحب للتفاؤل لا يغادر. كثيرون، هنا وبعض من فى الخارج، يعربون عن خشية عظمى، خشية أن تكون مصر عائدة إلى ما قبل 25 يناير، أو إلى ما هو أسوأ منه. ولن يزيل هذه الخشية أو يخفف منها سوى إعلان واضح وصريح من جانب القيادة العسكرية المصرية عن حقيقة موقفها من الثورة التى نشبت يوم 25 يناير وتعريفها لها وعلاقتها بها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved