طرق الخلافة.. إمارة التغلب والقهر (3ــ3)

جمال قطب
جمال قطب

آخر تحديث: الثلاثاء 31 يوليه 2012 - 10:05 ص بتوقيت القاهرة

-1-

يعجب الإنسان أشد العجب حينما يقرأ فى كتب الفقه عما يسمى إمارة «التغلب أو القهر»، ويزداد عجبه حينما يصرح الفقهاء بجواز هذه الإمارة وشرعيتها كما يفرضى الله عنهون على الجميع طاعتها، ويسوق الفقهاء مبررات كما يعينون لهذا الأسلوب صورا وأحكاما وضوابط بدعوى «الاضطرار». فغالبية فقهاء العصور (الغابرة سياسيا) يبررون شرعية المستولى المتغلب بأن «الرضى الله عنها بالمتغلب خير من الفوضى ودوام القتال». والفقهاء (رضى الله عنه) يرون هذا الرأى مخرجا فى حالة «الضرورة والهرج»، لكن تدبر المسألة والنظر إلى تداعيات إقرار التغلب، وما ينتج عنه من دوام القتال يوضح عكس ذلك، فلو سألوا أنفسهم لماذا يحدث التغلب والقهر استنادا لقوة القبيلة والمؤيدين، أو اعتمادا على قوة الجيش الرسمى للدولة مثل «الانقلاب العسكرى» لوجدوا سببا مقنعا هو: حب الاستيلاء والتمتع بوضع اليد على خيرات الشعوب ليتمكنوا من اقتطاع أكثر مما يستحقون، وهذا «الشره البشرى» المدجج بالسلاح لا يصح التغاضى عنه ولا الصمت عليه فهو «كارثة حية دائمة التكاثر خطيرة التجدد والتمدد»، ولابد من تنظيم المجتمع تنظيما لا يعطى فرصة للانحراف، وإذا حدث انحراف يستطيع المجتمع سرعة تقويمه أو عزله بسهولة منعا لاستعمال القوة والمقاتلة، ولا يصح عقلا وشرعا قبول «التغلب وإقراره»، فالفطرة الصحيحة والشريعة الإلهية ترفض رفضا قاطعا أن يصل الناس إلى غاية نبيلة عن طريق وسائل «مجرمة ومحرمة» فمهما كان القصد شريفا لا يسمح بالوسائل الدنيئة، فالغاية لا تبرر الوسيلة فى الإسلام

 

ـ2ـ

 

وإقرار مشروعية «خلافة القهر والتغلب» فضلا على مجافاته للحق والشرع فإنه لا يحسم الفوضى، كما يظن أصحاب هذا الرأى، بل يجدد الطمع ويفتح باب الأمل أمام كل من تسول له نفسه أن ينتفع بالمنصب أو يساعد من ينتفع فيقاسمه أو يشاركه منتفعا ليحظى بشىء من متاع الحياة الدنيا، ولا يمكن أن يكون «القهر والتغلب» وسيلة مقبولة للوصول إلى الحكم وإلا استمر الباب مفتوحا لكل مغامر

 

ـ3ـ

 

والغريب فى إقرار (التغلب والقهر) كوسيلة لتمكين الخليفة أن كتب الفقه تنسب هذا القول إلى الأمام أحمد بن حنبل (رضى الله عنه) حيث كتب الفقيه أبو يعلى الفراء فى كتابه «الأحكام السلطانية» ما رواه عن ابن حنبل من قوله (ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمى أمير المؤمنين فلا يحل لمؤمن إلا الرضى الله عنها بهذا المتغلب) كذلك بالغ الفقهاء فى إقرار هذا الأسلوب فقالوا: وإمارة التغلب جائزة حتى ولو كان المتغلب فاسقا أو جاهلا، ومما يحير العقول أيضا قول بعضهم: بل لو تغلبت إمراة فاستولت على السلطة لأصبحت خليفة، ووجه العجب هنا أن هؤلاء البعض يمنعون ولاية المرأة إذا جاءت من طريق مشروع! وهم يجيزون ولاية المرأة إذا تغلبت! فهل تتسع أصول الشريعة لمثل هذه المفارقة؟! وحينما أتعجب لما ينسبوه للإمام أحمد بن حنبل فسبب تعجبى أن الرجل (رضى الله عنه) رفض مجرد القول بأن «القرآن مخلوق»، وتصدى للمعتزلة والسلطات معها و طاله عذاب شديد، ثم ينسب إليه رضى الله عنه بالقهر والتغلب كوسيلة لولاية السلطة، فانظر عمق ودقة فقه الاعتقاد وحقوق الإلوهية، وقارن بذلك عدم الدقة فى الفقه السياسى.

 

ـ4ـ

 

هذه سقطة من سقطات الفقه السياسى لم ينجح فى الخروج منها، بل إنه أضفى المشروعية على حكم فردى قبلى تجاوز الخطوط الحمراء التى لا يسمح بتجاوزها، كما أن تجاوز تلك الخطوط يهبط بمستوى الأمة ويسحبها من موقع «خير أمة أخرجت للناس» فتنزلق إلى موقع «شر أمة» أضاعت نفسها.

 

يتبع..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved