عن مصر بعد حكم الإخوان

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 31 يوليه 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

طوت مصر صفحة الإخوان المسلمين كقوة مؤهلة للحكم بحكم تاريخها السياسى.

ولقد أسهم الإخوان فى التعجيل بطى هذه الصفحة بكفاءة منقطعة النظير، وفى سرعة قياسية، ولن تنفع مقاومتهم فى استعادة القبول الشعبى الذى توفر لهم، ذات لحظة قدرية، فرفع مرشحا قياديا فى صفوفهم إلى سدة الرئاسة.

كانت الفرصة أجمل من حلم، وجاء السقوط أقسى من كابوس عليهم.

كانت فترة انتقالية بين ثورتين، لا هم أطلقوا الأولى، وإن كانوا أعظم المستفيدين منها، ولا هم تنبهوا إلى أن ممارساتهم فى الحكم هى التى تسببت فى انطلاق الثورة الثانية.

لا هم عرفوا كيف يحكمون، وها هم بعد السقوط المدوى لا يعرفون كيف يراجعون تجربتهم، تمهيدا لأن يعودوا إلى موقع المعارضة، بعدما اكتووا بنيران الحكم الذى فشلوا أن يسوسوه فخلعهم.

فى أى حال تستحق تجربة الإخوان مع السلطة وفيها مراجعة نقدية صارمة ومتعددة الأبعاد لهذا التنظيم ذى التاريخ الحافل بالصدامات مع السلطة، على اختلاف من شغلوها سواء فى العهد الملكى أو فى العهود الجمهورية.

 وأول ما تكشفه هذه التجربة أن الشعار الدينى المجرد لا يكفى لتبرير السيطرة على مقاليد الحكم، فى غياب برنامج واضح ومحدد يخاطب حقوق الشعب وأهدافه فضلا عن تمنياته.

ماذا يعنى رفع الشعار الإسلامى فى مجتمع أكثريته الساحقة من المسلمين، وهم فى مصر على وجه التحديد، من الصادقين فى إيمانهم، ومن المتطرفين فى ممارساتهم الشعائر الدينية.

 وفى العودة إلى التجربة السياسية فإن ابرز عناوينها كانت النزعة الاحتكارية والرغبة بالتفرد فى السلطة واستبعاد الآخرين، كل الآخرين، بمن فى ذلك من كانوا فى موقع الحليف أو الصديق، فضلا عن «المنافسين» الذين لم يكونوا خصوما لكن ممارسة الإخوان هى التى أبعدتهم واستعدتهم ودفعتهم إلى الخصومة دفعا.

●●●

منذ اليوم الأول تصرف الإخوان وكأنهم يثأرون لأنفسهم من تاريخ مصر الحديث ويحاولون، وقد وصلوا إلى السلطة، أن يعوضوا كل ما فاتهم من خيراتها ومغانمها وفى أسرع وقت ممكن. وهكذا فقد تنكروا لمن مكنوهم من الوصول إلى الرئاسة منذ اليوم الأول: تعهدوا بإقامة حكومة، بل حكم ائتلافى، ثم تنكروا لتعهدهم بطريقة مستفزة. جاءوا بالشركاء فى إسقاط «عهد الطغيان» ممن كانوا الرواد فى تفجير ثورة 25 (يناير) 2011، فحاوروهم وطمأنوهم إلى أنهم سيكونون الشركاء، ثم استبعدوهم عن الحكومة، ثم عن القرارات اللاحقة التى كانت تهدف إلى إعادة صياغة مواقع القرار فى السلطة الجديدة. بل إنهم اختاروا السير فى الاتجاه المعاكس تماما: شكلوا لجنة لصياغة دستور جديد من جماعتهم ومناصريهم مع تمثيل رمزى للحلفاء السابقين، فلما اعترض هؤلاء تركوهم يخرجون من اللجنة، ومضوا فى إقرار الدستور الأشوه عبر استفتاء شعبى أظهرت نتائجه «الرسمية» أن حوالى نصف المصريين، قد تحفظوا عليه بل وجاهروا برفضهم لبعض نصوصه المشوهة للديمقراطية.

أما على المستوى العربى، فقد اندفع الإخوان عبر رئيسهم المنتخب، ينافقون السعودية، وهم يعرفون تماما أنها لا تقبلهم ولا تصدق تعهداتهم... ثم انعطفوا فى اتجاه قطر التى لا تحظى بسمعة طيبة فى الأوساط الشعبية، داخل مصر أو خارجها، مستندين إلى مباركة التنظيم الدولى للإخوان المسلمين وبركات الشيخ يوسف القرضاوى الذى لا يحفظ له «الميدان» فى القاهرة ذكرى عطرة. ثم إن «الكرم القطرى» قد تأخر كثيرا، فلما تم الإعلان عن تقديم «المساعدات العاجلة» لحكم الإخوان تولد المزيد من الشبهات واستفز المصريين الحساسين جدا لكل ما يتصل بكرامتهم الوطنية.

فى الوقت ذاته كانت دولة الإمارات تعتقل العشرات من المصريين العاملين فيها بعد اعترافهم بالانتماء إلى تنظيم الإخوان وتوجه إليهم اتهامات أمنية خطيرة، وتقدمهم إلى المحاكمة.

بالمقابل رفض حكم الإخوان محاولات الحكومة العراقية تقديم المساعدة، لا سيما فى مجال النفط والغاز، واعتبر ذلك نوعا من التحرش الإيرانى المرفوض.

كذلك فقد تسبب الرئيس مرسى فى توتير العلاقات مع إيران من دون تبرير، حين زارها مضطرا لتسليم رئاسة الدورة الجديدة لمؤتمر عدم الانحياز.

أما فيما يتصل بالعلاقة مع النظام السورى فقد اندفع حكم الإخوان إلى أبعد ما يقبل به الشعب المصرى وبالذات قواته المسلحة...إذ إن هذا الشعب يميز بين النظام القائم وبين الشعب السورى، وتربطه وشائج قوية وميدانية مع القوات المسلحة السورية. وبالتالى فإن معارضته الشديدة للنظام لا تطال الجيش فى سوريا، الذى يحفظ له جيش مصر إخوة الدم فى العلاقة التاريخية الوطيدة.

ولعل إعلان الرئيس المخلوع محمد مرسى فى خطابه الأخير قراره بقطع العلاقات مع دمشق قد سرع فى تحديد ساعة الصفر للتغيير الذى تولى قيادته الجيش تحت لواء قائده.

●●●

باختصار: لم ينجح حكم الإخوان فى إقامة علاقة طبيعية مع أى من الدول العربية. حتى مع تونس التى يتولى الإخوان المسلمون موقعا قياديا أساسيا فى سلطة ثورتها التى لعبت دور الشرارة فى تفجير ثورة يناير فى مصر.

بالمقابل، فإن رئاسة الدكتور محمد مرسى قد تسببت فى مجموعة من الإشكالات مع بعض الدول الأوروبية، أبرزها ألمانيا... فى حين لم تنفع محاولات الإخوان فى كسب التبنى الأمريكى لسلطتهم المستولدة قيصريا فى مصر، برغم ما أغدقوه على المسئولين الأمريكيين من وعود الالتزام بموجبات سياستهم فى المنطقة، وأخطرها ما يتصل بمشاريع الاستيطان التى تلتهم أراضى الضفة الغربية ولا تترك للفلسطينيين ما يفاوضون عليه.

أما روسيا، وبعدها الصين، فقد تصرف الرئيس مرسى خلال زيارتيه لهما، وكأنهما لرفع العتب.

لقد حقق الدكتور محمد مرسى نتائج قياسية فى خسارة الأشقاء والأصدقاء، بقدر ما نجح تنظيم الإخوان فى خسارة ملايين المصريين الذين أعطوا أصواتهم للمرشح الذى لم يعرفوه هربا من المرشح الآخر الذين يعرفون عنه أكثر مما يجب.

فقط مع إسرائيل نجح الدكتور مرسى فى التعبير عن إخلاصه واعتزازه بصداقة هذا الكيان الذى أقيم بالقوة فوق أرض فلسطين وعلى حساب حقوق شعبها فيها والذى قاتل العرب ومصر فى الطليعة منهم على امتداد ستين عاما ولا يزال يقاتلهم على حقهم فى مستقبلهم فوق أرضهم.

●●●

لقد أثبت حكم الإخوان كفاءة نادرة فى تحويل المحايدين من جماهير الشعب المصرى إلى خصوم، وفى سرعة قياسية، كما خسر بالسرعة ذاتها ثقة القوات المسلحة التى وجدت نفسها فى مأزق قد يجرها إلى التصادم مع أهلها، إذا استمرت فى موقفها «المحايد»، فحاولت التنبيه وأكثر من مرة، فلما ووجهت بالرفض المتكرر لتحذيرها من أن السياسة المعتمدة ستغرق مصر بدماء بنيها تحركت لمنع الكارثة. متحملة مخاطر اتهامها بالرغبة بالاستيلاء على الحكم.

هل انتهت فرصة الإخوان فى العمل السياسى كحزب له جماهيره ومن حقه أن يشارك فى الحياة السياسية فى البلد الذى شهد ميلاده كتنظيم قبل خمس وثمانين سنة، ثم شهد خيبته فى إقامة حكم رشيد حين أتاحت له الأقدار أن يقفز إليه فى غفلة من القوى الأخرى، وفى ظل تفرقها وعدم توحدها فى جبهة مؤهلة لقيادة البلاد فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخها؟!

هذا سؤال متروك لقدرة الإخوان على استيعاب دروس التجربة المرة واستخلاص النتائج الصحيحة. أما العرب فى مختلف ديارهم فإنهم يتابعون أخبار مصر بقلق، وإن كان سقوط الإخوان من على قمة السلطة قد أشاع الارتياح فى أوساطهم جميعا.

حمى الله مصر.

 

رئيس تحرير جريدة « السفير» اللبنانية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved