العلاقات مع إيران لم تعد قضية «مؤجلة»

إيمان رجب
إيمان رجب

آخر تحديث: الجمعة 31 يوليه 2015 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

تظل النتيجة الرئيسية المترتبة على التوصل لاتفاق فيينا بين إيران والدول الغربية بالنسبة لمصر، هى الشرعية الدولية التى حظيت بها إيران كقوة إقليمية، حيث لم تعد من دول محور «الشر»، أو دولة «معزولة» أو «محاصرة»، بل غدت دولة تمثل «حليف» أو «صديق» محتمل لكثيرين.

وإعادة تموضع إيران فى المنطقة كقوة معترف بها على هذا النحو، له أبعاده السياسية والاقتصادية التى ستؤثر على أى نشاط مصرى فى أى من القضايا الإقليمية، سواء من حيث وجود حرص أمريكى وأوروبى على إشراك إيران بصورة معلنة ورسمية فى معالجة العديد من الصراعات والقضايا الإقليمية، أو من حيث تحولها إلى قبلة للاستثمارات الاقتصادية للدول الأوروبية؛ فإيران تأتى فى المرتبة 18 على مستوى العالم من حيث حجم قوتها الاقتصادية، ولديها 80 مليون نسمة متعلمين جيدا فضلا عن احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، وقطاع صناعى قوى.

وهذا الوضع يجعل مصر مطالبة أكثر من أى وقت مضى خاصة بعد بدء التنفيذ الفعلى للاتفاق باتخاذ خطوات محددة فى التعامل مع إيران، تخرجها من حالة «ننتظر ونرى» التى سيطرت على تعاملها مع هذه المسألة منذ ثورة 30 يونيو 2013، وتسمح لها باستئناف مسار ما مع إيران يحقق المصالح المصرية، وفى الوقت نفسه لا يضر بالتحالف الاستراتيجى بينها وبعض دول الخليج خاصة السعودية، التى بها تيارات شديدة التحفظ مقارنة بغيرها من دول الخليج فيما يتعلق بالعلاقات مع إيران لاعتبارات تتعلق بالمصالح الوطنية لها.

بعبارة أخرى، فإن اتخاذ مصر قرار بعدم التعامل مع إيران لن يسهم فى تفعيل الدور المصرى ــ سواء بصورة فردية أو جماعية ــ فى أى من القضايا التى تهدد المصالح المصرية، أو التى قد تفتح مجال ما لنفوذ مصرى محتمل كما هو الوضع بالنسبة للصراع فى سوريا.

***

ورغم وجود نشاط فى عدد من مؤسسات الدولة أخيرا يفيد بأن هناك «إعادة تقييم» ما للموقف من إيران ولخيارات التعامل معها، فضلا عن انفتاح إيران على التواصل مع مصر، حيث أعلن وزير الخارجية الإيرانى جواد ظريف فى 2 يونيو 2015 عن أن هناك اتصالات مع مصر، وعن استعداد بلاده لمناقشة قضايا الخلاف والتعاون معها، وهو أمر لم تؤكده مصر ولم تنفه، إلا أنها لم تتحول بعد إلى سياسات واضحة أو معلنة.

***

تحول التعامل مع إيران بالنسبة لمصر خلال المرحلة الحالية، من كونها قضية «مؤجلة» إلى قضية «ملحة» مرتبط إلى جانب التحول فى وضع إيران فى الإقليم، بعاملين، يتعلق العامل الأول، بأن توجهات دول الخليج ناحية إيران تحولت طوال السنوات الماضية، فكما ناقشت فى مقال نشر فى الشروق فى 18 يناير 2014، فإنه منذ الكشف عن المحادثات السرية بين إيران والغرب فى عمان فى مارس 2013، اتخذت دول الخليج، وبدرجات متفاوتة قرار ما، وربما بصورة منفردة، وبدون تنسيق مع بعضها، بعدم مقاطعة إيران، أو عزلها خليجيا.

واتبعت هذه الدول سياسة «مرافقة» التغير فى وضع إيران فى الإقليم والذى حملته عمليات المفاوضات حول برنامجها النووى. فدول الخليج الصغيرة على وجه التحديد تدرك أن حقائق الجغرافيا لا يمكن تغييرها. فإيران من الناحية الجغرافية جار لدول الخليج، ولا يمكن تغيير مكانها على الخريطة، وينبغى عليها التعامل معها. وفى هذا الإطار، صدرت عن بعض قادة الخليج تصريحات من قبيل ما صرح به محمد بن راشد حاكم دبى، بأن «إيران دولة جارتنا منذ آلاف السنين، وهى دولة مسلمة ولا أعتقد أنها تمثل تهديدا نوويا»، وكذلك تصريحه فى لقاء مع قناة بى بى سى فى يناير 2014 بأنه «إيران جارتنا ولا نريد أى مشاكل معها. ارفعوا العقوبات وسينتفع الجميع».

كما أن السياسات السعودية تجاه إيران تمر بتحولات، ناتجة فى جزء منها عن التغييرات فى السلطة فيها التى حدثت مطلع هذا العام، فضلا عن التحولات التى تشهدها المنطقة، على نحو يمكن الحديث معه عن وجود تيارات مختلفة داخل بيت الحكم فى السعودية، تتبنى توجهات مختلفة تجاه إيران، وعلى نحو يجعل التيار الذى يصور إيران على أنها مصدر تهديد رئيسى للأمن الوطنى للسعودية، ولدورها الإقليمى، أحد التيارات وليس التيار الفاعل الوحيد.

وتدفع هذه التحولات فى عمومها السعودية نحو تعامل بواقعية مع إيران خلال المرحلة المقبلة، حيث يتم القبول بوجودها كقوة إقليمية، مع تمسكها بضرورة حسم القضايا الخلافية معها بصورة ثنائية. واتساقا مع هذا التوجه، تضمن الملحق الخاص ببيان قمة كامب ديفيد التى عقدت بين واشنطن ودول الخليج فى مايو 2015 تأكيد الولايات المتحدة ودول الخليج مجتمعة على «تطبيع العلاقات مع إيران حال وقفها الأنشطة التى تضر باستقرار المنطقة»، وأن هذا التطبيع يعزز من الأمن الإقليمى.

وذلك فضلا عن صدور العديد من التصريحات من القيادات السعودية التى تشير إلى قبول السعودية فكرة «الانخراط المشروط» مع إيران، وقد تحدث وزير الخارجية السعودى عادل الجبير أثناء زيارته للقاهرة فى 31 مايو 2015، عن ثلاثة شروط يتعين على إيران الوفاء بها فى هذا الإطار، وهى عدم التدخل فى شئون دول المنطقة، وعدم دعم الإرهاب، وعدم اتخاذها إجراءات تضر بمصالح المنطقة وشعوبها.

وإذا كان هناك تصورات بأن الموقف السعودى من إيران، يمثل قيدا خارجيا على سياسات مصر تجاه إيران، فإن وجود تغير فى هذا الموقف، يترك مساحة ما لمصر لتقرر نمط العلاقات مع إيران خلال الفترة المقبلة، خاصة أن إيران تمكنت من توسيع مناطق نفوذها فى الإقليم من خلال دعمها أطرافا محددة فى الصراعات المشتعلة حاليا فى اليمن وسوريا على سبيل المثال، على نحو جعلها قوة لا يمكن تجاهلها.

وينصرف العامل الثانى إلى اتجاه كل من إيران والسعودية للتعامل مع مصر، كقوة موازنة فى مواجهة كل منهما للآخر فى إطار تنافسهم التقليدى على النفوذ فى المنطقة، وهذا ما تكشف عنه تصريحات وزير الخارجية الجبير أثناء زيارته للقاهرة السابق ذكرها، وكذلك دعوة وزير الخارجية الايرانى جواد ظريف فى 2 يونيو 2015 مصر للقيام «بدور بناء فى المنطقة»، وتحدث عن «استمرار المشاورات» بين طهران والقاهرة، وهو ما عدته عدة دوائر سياسية أنه رد على تصريحات الجبير من القاهرة.

***

إن ما تحتاجه مصر خلال المرحلة الحالية هو تبنى سياسات مختلفة تجاه إيران، فتصور أنه يمكن التعامل معها وفق منطق ادارة العلاقات كالمعتاد doing business as usual لا يحقق المصالح المصرية. خاصة أنه تاريخيا، تصور دوائر سياسية عدة فى مصر إيران على أنها «دولة حديثة لديها موارد كبيرة، وتراث غنى وسياسة خارجية نشطة»، على نحو لا يمكن معه تجاهلها، كما أصبحت دوائر متعددة فى مصر تدرك تزايد أهمية إيران كقوة رئيسية فى إقليم الشرق الأوسط.
ومن المهم أن تتم صياغة هذه السياسات المختلفة على نحو يسمح لمصر من ناحية بمناقشة القضايا الثنائية الخلافية بينها وإيران سواء تلك ذات الطبيعة الأمنية، أو المتعلقة بموقف إيران من جماعة الإخوان المسلمين، ومن ناحية ثانية، بالانخراط مع إيران بمستويات مختلفة، سواء بصورة ثنائية أو من خلال آليات إقليمية يتم تشكيلها لهذا الغرض، يتم فيها الحوار حول القضايا الإقليمية خاصة الخلافية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved