أمريكا خانت المعارضة السورية

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأحد 31 يوليه 2016 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

على مدى عدة أسابيع تحرت صحيفة اللوموند الفرنسية واستقصت بين المعارضين لحكم الرئيس السورى بشار الأسد خصوصا المقيمين فى تركيا، وكان السؤال الرئيسى هو: لماذا فشلت المعارضة المعتدلة، ولماذا استمرت داعش كما هى، وكيف يمكن تفسير سلوك الولايات فى مجمل الازمة؟!

اللوموند جمعت وثائق وشهادات تكشف عن حقائق مذهلة. المصادر الرئيسية لهذه الشهادات قادة وكوادر فى «الجيش السورى الحر» الذى يعتبره البعض معارضة معتدلة مقارنة بداعش والنصرة وبقية التنظيمات المتطرفة. والمصدر الرئيسى الذى اعتمدت عليه اللوموند أعطت له اسما كوديا هو: «كبير مخبرى الجيش السرى الحر»، حيث قابلته ثلاث مرات على مدى عامين. يؤكد المصدر أنه كان يرسل لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، تقارير دورية دقيقة جمعها عبر شبكة من المخبرين عن كل تحركات داعش، بل ونواياها، مرفقة بالكثير من الخرائط والصور وإحداثيات «جى بى إس»، بل وأرقام هواتف معظم قادة وكوادر داعش. يشرح الخبر قائلا: «كنا نرسل ونبرز للأمريكيين كل شىء منذ اللحظة التى كان فيها تعداد داعش عشرين شخصا إلى اللحظة التى صار فيها تعدادهم عشرين ألف مقاتل، وفى كل مرة كنا نسألهم ماذا أنتم فاعلون بهذه المعلومات، كانوا يراوغون فى الإجابة، قائلين إنها صارت بين أيدى متخذى القرار.

تقول اللوموند إنها حصلت على بعض هذه الوثائق ومنها مواقع مكاتب حواجز المسلحين فى الرقة المقر الرئيسى لتنظيم داعش. وانه تم وضع خطة سرية فى صيف ٢٠١٤ بالتشاور مع واشنطن لطرد داعش من محافظة حلب لكن تم تأجيلها عدة مرات بسبب أوامر الأمريكيين، ثم فوجئ الجميع بأن تنظيم النصرة المقرب من القاعدة هاجم فرقة الجيش السورى الحر التى كانت مكلفة بتنفيذ الخطة، وبالتالى تعثرت الخطة تماما.

ويكشف مصدر دبلوماسى غربى للصحيفة الفرنسية عن أن الغرب أضاع أكثر من فرصة ثمينة لتغيير الأوضاع على الأرض، خصوصا حينما تم تشكيل المجلس العسكرى الأعلى للتنسيق بين فصائل المعارضة السورية، ثم انتهى الأمر بهجوم من النصرة وداعش على مستودعات الجيش السورى الحر فى مدينة أطمة على الحدود التركية فى الأول من ديسمبر ٢٠١٣، رغم الدعم الذى كان يأتى من قطر وتركيا والأسلحة التى كانت تأتى من ليبيا، عبر قوارب مستأجرة من قبل إمام فى استوكهولهم يدعى هيثم رحمة العضو فى جماعة الإخوان المسلمين.

تقول الوثائق إن الجيش السورى الحر وضع كل المعلومات عن جبهة النصرة قبل أن تقوى شوكتها أمام كل الجهات الأمريكية المعنية، لكنهم لم يحركوا ساكنا.

اللافت للنظر أن أمريكا تحمست لقصف داعش خلال هجومها واحتلالها لمدينة عين العرب أو كوبانى الكردية، لكن فى المقابل فإن كل تفاصيل احتلال داعش لمدينة الموصل العراقية كانت موجودة عند الأمريكيين، وكان تحرك سيارات البيك اب التابعة لداعش فى سوريا والعراق تحت رحمة الطائرات الأمريكية وكان يمكن قصفها فى مرات كثيرة بسهولة، لكنهم لم يتحركوا، وكان الرد غير المعلن من الإدارة الأمريكية هو: «على دول الشرق الأوسط أن تدير فوضاها بنفسها»!.

وخوفا من مصير بعض الفصائل التى قمعتها داعش والنصرة، فقد وضع الجيش السورى الحر نفسه تحت وصاية جبهة النصرة، وهذا ما يفسر الفضيحة المدوية حينما سقطت كل الأسلحة التى قدمتها الولايات المتحدة فى إطار ما سمى بمشروع «التسليح والتدريب» فى صيف عام ٢٠١٥. نفس الأمر حدث فى تدمر، حيث يقول كبير المخبرين: قدمنا كل الصور والخرائط إلى الأمريكيين بنية داعش مهاجمة المدينة الأثرية، فكان الرد أنهم رصدوا سيارات داعش فعلا، لكن إحدى السيارات كان بها أطفال، ووقتها سألوهم: «حسنا وماذا عن باقى العربات؟!». تحركت سيارات داعش فى أرض صحراوية مسطحة وكان من السهل قصفها، والسؤال الغامض حتى الآن بلا إجابة هو: لماذا لم يفعل الأمريكيون شيئا وقتها وطوال السنوات الماضية؟.

السؤال الأهم إذا كان الجيش السورى الحر الذى يعمل تحت وصاية بلدان الخليج والولايات المتحدة يكشف كل هذه الحقائق الآن.. فهل الآخرون، خصوصا أولئك الذين يراهنون على الدعم الأمريكى أو البريطانى ويعتقدون أن مجرد زيارة الكونجرس أو الخارجية الأمريكية، أو ١٠ دوانج ستريت فى لندن، ستعيدهم للحكم؟.. سؤال يستحق المتابعة!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved