اللاجئون العرب وحقوق المواطنة

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الأربعاء 31 أغسطس 2016 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

وفق إحصائيات هيئة الأمم المتحدة، كل شخص من بين 113 شخصا فى العالم، هو مهاجر أو مهجر من مجاله الأصلى، مع اختلاف جلى بين وضع العمالة المهاجرة التى خرجت مؤقتا من بلدانها طلبا للشغل ووضع ملايين اللاجئين الفارين من جحيم الحروب الأهلية والكوارث الطبيعية، الذين هم الأغلبية المطلقة من المهاجرين.

وغنى عن البيان، أن جزءا كبيرا من هؤلاء المهجرين اللاجئين ينتمون لمنطقتنا العربية التى عرفت فى السنوات الأخيرة سلسلة من الحروب الأهلية والإقليمية المتتالية، تضاف إلى المأساة الفلسطينية المستمرة منذ ستين سنة، بما يعنى أن خُمُس العرب أصبح اليوم فى وضع اللاجئ الذى تسد أمامه أبواب الهجرة ولا يبقى له فى الغالب سوى شظف العيش فى المخيمات التى تحولت فى عدد من البلدان «مثل لبنان والأردن» إلى مدن كاملة آهلة بالسكان.

النتيجة البارزة لهذا التحول الجذرى فى الجغرافيا السياسية العربية، هو بروز نمط من الذاتية السياسية الجديدة خارج التقسيمات القانونية التى بلورتها الدولة الحديثة: «لا هى المواطن بحقوقه المدنية المحددة حتى ولو كان مقيما على الأرض وجزءا من التركيبة السكانية الدائمة، ولا هى بالأجنبى ذى حقوق الضيافة المقننة المتمتع بحقوقه الوطنية فى بلاده الأصلية». إنه فرد أقرب إلى «الإنسان الزائد» المجرد من كل حقوق، كما تحدثت عنه الفيلسوفة الألمانية الأمريكية «حنة آرندت» فى كتابها الشهير حول «أصول الاستبداد»، مبينة أن الحروب الأهلية التى عرفتها أوروبا فى ثلاثينيات القرن الماضى قد أفضت إلى القذف بملايين المشردين واللاجئين والمهجرين الذين لا أوطان لهم باعتبارهم لا ينتمون لمجموعة سياسية سيادية، وبالتالى لا تتوفر لهم أى حماية قانونية.

فإذا كانت الحداثة السياسية قد ربطت عضويا بين الحقوق القانونية والمدنية للفرد وانتمائه لإقليم به خصائص السيادة الكاملة (الدولة)، فإن الخروج من هذه الهوية الوطنية يؤدى بالفرد إلى النكوص إلى حالة إنسان الكهوف «المتوحش»، ولذا فهو معرض دوما إلى لحظة «الموت العنيف» التى اعتبر هوبز أن الدولة التعاقدية وجدت من أجل تجنبها.
وما دامت المواطنة بمفهومها الحديث مرتبطة بإقليم الولادة والسجل الجينى، فإن اللاجئ المهجر لا موقع له فى البنية القانونية السياسية للدولة، موقعه الأوحد المتاح هو خلف سياج المخيم الذى يكون غالبا خارج أسوار المدينة.

***

وبغض النظر عن حالة عديمى الجنسيات الذين يصل عددهم حسب إحصائيات الأمم المتحدة 12 مليونا، فإن العالم عرف فى السنوات الأخيرة جراء حروب الشرق الأوسط الأهلية نمطا من هجرات اللجوء ذات سمات مميزة من حيث حجمها وطبيعتها ومصاعب احتوائها. وبالنظر للأزمات المحتدمة فى المنطقة يمكن الجزم بأن هذه الهجرات ليست مؤقتة ولا عابرة بل ستؤثر بصفة دائمة على طبيعة النسيج الديموغرافى فى البلدان المستضيفة مولدة أوضاعا عصية الحل. الخيار المتاح فى هذه الحالة غير المسبوقة محصور بين دمج اللاجئين ولو أفضى الحال إلى قلب التوازنات الداخلية، أو إقامة نمط من الإدارة التمييزية على غرار نظام الفصل العنصرى البغيض، الذى كان قائما فى جنوب أفريقيا «القائم حاليا فى إسرائيل».

إذا كانت أوروبا وأمريكا استطاعتا امتصاص صدمة الهجرات القسرية فى النصف الأول من القرن الماضى، باحتضان ملايين المشردين من ضحايا الأنظمة والحروب الأهلية «من يهود وأرمن وروس..»، فإن الغرب يرفض اليوم تكرار المشهد نفسه تجاه اللاجئين السوريين مفضلا تمويل الملاجئ التركية على استقبال الوافدين الفارين من جحيم حرب أهلية مرجحة للاستمرار والتفاقم. من هنا المسئولية المطروحة على الدول العربية فى اعتماد السيناريو ذاته فى دمج واحتضان المهجرين من بلدان المشرق العربى المنكوبة عبر آليات قانونية جديدة، قد يكون من بينها تصميم جوازات تمنحها الجامعة العربية، لتسهيل تنقل اللاجئين ومنح المهاجرين حقوقا سياسية ومدنية فى إطار مفهوم موسع لمواطنة متعددة الدوائر والأنظمة ضمن ضوابط وقيود التوازنات الداخلية للبلدان المستضيفة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved