كم يبلغ طول الرئيس ترامب؟!

عبد العظيم حماد
عبد العظيم حماد

آخر تحديث: الخميس 31 أغسطس 2017 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

من العبارات المأثورة عن الرئيس الأمريكى الأسبق ليندون جونسون أنه قال لضيفه الإسرائيلى مائير عاميت قبيل حرب يونيو 1967، وهو ينصحه ببذل أقصى جهد للحصول على تأييد الكونجرس: «إننى معكم، ولكنى بدون تأييد الكونجرس لست إلا رجلا يبلغ طوله ستة أقدام».
لهذا السبب يجب أن ننظر باهتمام كاف لقرار الكونجرس خفض المعونة الاقتصادية، وتأجيل شريحة من المعونة العسكرية الأمريكية لمصر، مع وجوب تسجيل رفضنا للتدخل الخارجى فى شئوننا الداخلية، رغم علمنا بأن هذا الرفض لن يغير من الأمر شيئا. 
القرار يؤكد أن الهيئة التشريعية الأمريكية، ومعها وزارة الخارجية ليستا على تطابق مع خط الرئيس دونالد ترامب فى العلاقات مع مصر، بفرض أن ترامب لا يزال على الدرجة نفسها من حماسه السابق لتقوية هذه العلاقات، ولا يزال على الدرجة نفسها من اللياقة السياسية، والقدرة على المبادرة، بعد كل ما مر به، وتسبب فيه، من أزمات فى الأشهر السبعة لوجوده فى البيت الأبيض، وكذلك بفرض أنه سيكمل مدته الدستورية. 
من بين ما يجب عدم التهرب من استنتاجه من ذلك القرار أن أغلبية الكونجرس اقتنعت بمآخذ الخبراء والشهود على السياسة المصرية داخليا وخارجيا، كما أبدت فى جلسات الاستماع التى عقدت فى إبريل الماضى لوضع تقرير وتوصيات اللجنة المختصة بإقرار المعونات الخارجية، وكما قرأ الجميع فهذه المآخذ تتعدد من انتهاكات حقوق الانسان والقمع الذى يؤدى إلى مزيد من التطرف والإرهاب، وكبت منظمات المجتمع المدنى، فسوء الاداء الاقتصادى المتحيز ضد التنافسية والقطاع الخاص، وضعف التأثير المصرى فى قضايا الاقليم، وقد أضيف إليها أخيرا استمرار العلاقات الوثيقة بين مصر وكوريا الشمالية. 
وبالطبع فمن المسلم به أن شهادة وزير الخارجية الأمريكية «الخطية» لم تتضمن دحضا لتلك الانتقادات.
فى ذات الوقت كانت صحف أمريكية عديدة ومهمة قد أعادت فتح ملف قضية الباحث الايطالى جوليو ريجينى الذى عثر عليه مقتولا فى مصر، وفى هذه المرة اعتمدت الصحف على تسريبات يبدو أنها مقصودة من مسئولين فى المخابرات الأمريكية، تشير إلى تورط أجهزة مصرية فى الحادث، وتؤكد أن هذه المعلومات أبلغت إلى السلطات الإيطالية، وكأنها محاولة لإثناء روما عن إعادة سفيرها إلى القاهرة، أو محاولة لإحراج الحكومة الإيطالية أمام الرأى العام فى بلادها، وفى بقية أوروبا، إذا هى واصلت خطة إعادة العلاقات الدبلوماسية مع مصر إلى مستواها الطبيعى. 
وفى هذه النقطة الأخيرة بالذات يجب أن لا نستبعد وجود مصلحة لشركات البترول والغاز الأمريكية فى استمرار تأزم العلاقات بين القاهرة وروما، بما أن شركة إينى الإيطالية هى التى تطور حقول الغاز المصرية الجديدة والواعدة فى شرق المتوسط، وبما أنه يتردد أن «إينى» هى التى تضغط على الجانب الإيطالى لتجاوز أزمة مقتل الباحث ريجينى. 
ثم يأتى استكتاب ناشطين مسلمين وأقباط فى كبريات الصحف الأمريكية انتقادا لسجل النظام فى مجال حقوق الانسان بالذات، مع اطراد نشر آراء الخبراء الأمريكيين فى الشأن المصرى، وهى فى معظمها سلبية، ليؤشر على تنامى الاتجاه المطالب بإعادة النظر فى العلاقات المصرية الأمريكية، على نحو مخالف لاتفاق رئيسى البلدين. 
هذه الوتيرة المتصاعدة للتحركات غير المواتية حول مصر فى الولايات المتحدة تذكرنا بما حدث فى العقد الأخير من حكم حسنى مبارك، إنها نفس الحجج، ونفس التكتيكات، ونفس القرارات، وعليه فيجب أن لا نكرر طريقة مبارك فى التعامل معها، وكانت هذه الطريقة تتراوح ما بين الاستجابة الجزئية أحيانا، خصوصا فى قضايا الأقباط، وبعض رموز المعارضة، وما بين التجاهل والعند أحيانا أخرى، أو التعويل على البيت الأبيض وحده، خصوصا فى السنوات الأولى من حكم كل رئيس أمريكى جديد، ثم الرهان على دور إسرائيلى مساند، يضمنه وصف الساسة الإسرائيليين لمبارك نفسه بأنه «كنز استراتيجى» لإسرائيل. 
لقد نجحت طريقة مبارك فى شراء الوقت ليس إلا، ولكنها لم تنجح فى وضع العلاقات «الاستراتيجية» مع الولايات المتحدة فى نصابها الصحيح مرة واحدة وإلى الأبد، بحيث لا تتعرض لأزمات دورية حادة، وبحيث نقطع الطريق على التدخل الأمريكى الفج أحيانا، والتفصيلى فى أحيان أخرى، فى الشئون الداخلية المصرية، وربما كان عجز مبارك عن الاقدام على هذه الخطوة الواجبة، عائدا إلى تأمين التأييد الأمريكى لمشروع توريث السلطة لنجله، أو على الأقل ضمان عدم رفض واشنطن صراحة وبقوة لهذا المشروع. 
غير أن عجز مبارك عن قيادة عملية إصلاح سياسى شامل فى مصر، أو عدم رغبته فى مثل هذا الاصلاح، وربما عدم اقتناعه بالحاجة إليه، كل ذلك كان من أسباب الفشل فى وضع إطار صحى، وشفاف للعلاقات المصرية الأمريكية، ولو من باب سد ذرائع التدخلات والضغوط الأمريكية. 
أما العامل الإسرائيلى مضمون التأثير لتخفيف ضغوط واشنطن على القيادة المصرية، فقد سقط الرهان عليه فور اندلاع ثورة يناير 2011، إذ لم تستطع إسرائيل منع إدارة أوباما من المطالبة علنا برحيل مبارك نفسه، لأنه كان يستحيل أن تبقى أية قوة فى الأرض رئيسا ثار عليه شعبه، وتمردت عليه بعض المؤسسات فى السلطة، ولندع الهراء القائل بأن ثورة يناير لم تكن إلا مؤامرة أمريكية، فالمروجون لذلك هم أول من يدركون أنها مجرد دعاية كاذبة، وهم ينسون أن هذا القول يثبت أن الرهان على التحالف مع إسرائيل لضمان التأييد الأمريكى (على بياض) مجرد خرافة، كما أنهم يتناسون أن الولايات المتحدة لم تستطع أن تبقى شاه إيران على عرشه، بعد أن ثار عليه شعبه، وطالبته أيضا بالرحيل، ولم تقبل استضافته، ولم يدع أحد منذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا أن الثورة الإيرانية كانت مؤامرة أمريكية. 
لا تكتمل قصة مبارك مع الولايات المتحدة فصولا، إلا باستعراض ــ ولو مقتضب ــ لعلاقته بالرؤساء الأمريكيين الذين تعاقبوا عليه رئيسا لمصر، وكان أولهم رونالد ريجان، الذى لم تكن علاقته جيدة بسبب أزمة كانت شهيرة وقتها، هى أزمة الحادث الإرهابى على السفينة آكيلى لاورو، وإجبار الطائرة المصرية التى كانت تهرب القائد الفلسطينى لتلك العملية الإرهابية على الهبوط فى روما بواسطة الطائرات الأمريكية، لكن علاقة مبارك بالرئيس التالى جورج بوش الأب كانت قوية ومتميزة، وشهدت إنجاز الاعتراف الأمريكى بمنظمة التحرير الفلسطينية، وحرب تحرير الكويت، وإسقاط ديون مصر، وعقد مؤتمر مدريد للسلام فى الشرق الأوسط، إلا أن المهم هنا هو أن الكونجرس كان مؤيدا لجورج بوش الأب على طول الخط فى هذه الانجازات كلها، بما فى ذلك إسقاط الديون على مصر. لكن هذه العلاقة المتميزة مع رئيس أمريكى واحد، ثبت فيما بعد أنها ليست صكا أبديا يلزم الرؤساء الجدد، فشهدت العلاقات مع كلينتون، وبوش الابن، وأوباما كثيرا من التوترات، وكذلك اضطربت العلاقات مع الكونجرس. 
الشاهد هنا هو أنه لا قوة العلاقات الشخصية بين الرئيس المصرى والرئيس الأمريكى، ولا حتى الاتفاق فى الرؤى السياسية بينهما، بكافيين لتجنب الأزمات مع الكونجرس، أو مع الرؤساء الأمريكيين الجدد، فما بالنا برئيس تحيط به الأزمات منذ أول لحظة فى رئاسته، وأحبط الكونجرس بما له من اختصاصات دستورية أصيلة كثيرا من سياساته الكبرى، فأعاد فرض العقوبات على روسيا ضد رغبته، وها هو يخفض المعونات لمصر ضد رغبته أيضا، وكان قد أسقط من قبل مشروعه للتأمين الصحى، دون أن نتطرق للتحقيق الحالى فى تواطؤ أركان حملته الانتخابية مع روسيا، ليصبح دونالد ترامب ــ حتى إشعار آخرــ هو مجرد الرجل الذى يبلغ طوله ستة أو سبعة أقدام أو أيا ما يبلغ هذا الطول، بحسب تعبير ليندون جونسون. 
لكل تلك الأسباب وغيرها، علينا أن لا نكرر طريقة مبارك فى شراء الوقت، وخصوصا وأن تجربته ماثلة أمام الأعين، وفى الأذهان، كما أن مشروع التوريث الذى كان يضطره إلى مراوغة واشنطن، والرهان على تل أبيب، ويمنعه من الاصلاح السياسى الجاد فى الداخل، لم يعد من معطيات الحياة السياسية المصرية الآن. 
باختصار علينا أن نشخص مشكلاتنا، ونضع لها الحلول بأنفسنا، دون أن نقيس خطواتنا على درجة التأييد أو المعارضة من واشنطن.. وغيرها. 
وفى قول آخر ليكن بيدنا، لا بيد عمرو، فضلا عن أن يكون بيد ترامب، أو تيلرسون، أو ميشيل دن.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved