عن فرحة ينتظرها الوطن

مصطفى النجار
مصطفى النجار

آخر تحديث: الخميس 31 أغسطس 2017 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

سنوات متتالية يسيطر فيها الحزن على مشاعرنا كمصريين، نعايش الأيام ونترقب المستقبل بكثير من القلق الذى أنتجه بؤس الواقع وصعوبته، عقولنا مشغولة بتدبير احتياجات الحياة اليومية ونفوسنا مرهقة من كثرة الإحباطات العامة، انقسامنا يتزايد، لغة الحوار تنعدم وتنزوى لصالح لغة التخوين والمزايدات والبذاءة المعتمدة على الأكاذيب والجهل المتعجرف.
يضرب الإحباط فينا كل بواعث الأمل والتفاؤل، تمر الأيام تشبه بعضها ولا تختلف إلا فى توالى ما يوجعنا ويرهق قلوبنا، الانعزال والتفكير فى الخلاص الفردى يتداعى ويحاول أن يحتل المشهد الأكبر فى حياتنا، لكننا لا ننجح فى ذلك، فكل ما هو عام يؤثر على ما هو خاص، ومهما تخيلنا أننا باغترابنا الاختيارى عن الفضاء العام سنجد الراحة والهدوء النفسى تخيب هذه الأمنيات وتتحطم على صخرة الواقع الذى يحيط بنا ويرغمنا على التفاعل معه بكل ما يحمله من أسى.
فرقت بيننا السياسة وصنعت شقاقا بين ذوى الدم الواحد وبين الأصدقاء والجيران، تلبستنا حالة الاستقطاب التى مهدت لصناعة الكراهية والتى أفقدتنا الموضوعية فى الحكم على الأشياء وتقييمها بشكل سليم، ننحاز للهوى ونبرر الخطأ ونبتعد عن النقاشات العميقة ذات المضمون والجدوى لصالح نقاشات تافهة، يسعى كل منا للانتصار لرأيه حتى لو كان هذا الانتصار على حساب الحقيقة والمصلحة العامة.
تشوهنا نفسيا للدرجة التى لم نعد ندرك فيها أن الحياة متسعة الرؤى ومتباينة الاتجاهات، وأن المسألة الرياضية الواحدة لها أكثر من طريقة للحل ولا يستطيع أحد الزعم أنه يمتلك الحل الوحيد، ابتعدنا كثيرا عن العلم والمنهجية والتخطيط السليم واعتمدنا العشوائية والارتجالية والعنترية أسلوبا للحياة فلم نصل لما يجب أن نحققه بل ساهمنا فى إتلاف ما صنعه من قبلنا من نجاحات ومشاريع وليدة، كانت الحياة ستتغير كثيرا لو استمرت معها المسارات والبقع المضيئة التى بدأها هؤلاء.
***
مارسنا العنصرية على بعضنا البعض، فمن لا تتفق رؤاه معنا نقوم بتحقيره وازدراءه بينما نهلل ونستبشر لمن ينافقنا ويتزلف إلينا، تعايشنا مع التطرف والطائفية التى تسربت لنفوسنا شيئا بعد شىء فإذا بنا اليوم نفكر بشكل مؤسف لا يخلو من هذه النزعة وحين تشتد الأحداث وتتنازع الأراء لا نستطيع أن نخفى ذلك فى آرائنا وانحيازاتنا وتعليقاتنا، بداخل كل منا مشروع للتطرف مهما حاولنا إنكار ذلك أو تجاهله.
ندمن حدة المشاعر ونمارسها على من حولنا، فإذا أحببنا شخصا رفعناه لمصاف الآلهة وإذا غضبنا منه حولناه لشيطان رجيم فى ليلة وضحاها، لا نعرف كيف نحب ولا نعرف كيف نبغض، نطلق كل يوم مزيد من الأحكام القيمية المطلقة على الناس ونعطى لأنفسنا الحق فى تقييم اختيارات الآخرين ووصمها دون مراعاة لحق كل إنسان فى اختيار حياته بالشكل الذى يروق له.
لا نستطيع أن نوحد الرأى العام على مسألة واحدة تتفق فيها الرؤى وتتكاتف الجهود، فلا أحد يثق فى أحد والكل يفتش فى النوايا ويستبق الأمور بسوء الظن، نحن أبعد ما نكون عن روح العمل الجماعى وأدبياته لذلك لا نبرح مكاننا ونمارس الجرى فى المحل، ثم نشتكى أن غيرنا يسبقوننا وأننا نحتل المراكز الأخيرة فى أغلب المؤشرات العالمية المعنية بنهضة الأمم ونموها وتطورها ورقيها.
ما الذى ينقصنا للنجاح؟ ما الذى يحجب عنا حالة الرضا العام؟ ما الذى يحصرنا فى مساحات الحزن والإحباط؟ هذه ليست أسئلة عدمية ولا وجودية ولا هدفها البكاء على اللبن المسكوب واجترار المشاعر السلبية، لكننا يجب أن ندرك أين نحن؟ وماذا نريد؟ وكيف نصل إليه؟
نحن نحتاج لمصارحة ومصالحة مجتمعية يتخلى فيها الكل عن صلفه وغروره ويتواضع تحت وطأة الإخفاق، حالة الصراع المحتدمة يجب أن تنتهى فالكل مثخن بالجراح، والمصير الواحد يفرض على أبناء الوطن الواحد أن يتحدوا من أجل حماية مستقبلهم وتحسين واقعهم للأفضل.
احتكار الوطنية بغيض مثل احتكار الدين وكلاهما وجهان لعملة واحدة رديئة، لذلك لا اختيارات متعددة لنا إذا أردنا الانطلاق للمستقبل، إما القناعة بالديمقراطية والتعددية والمنهجية وإما المزيد من السقوط فى وحل السلطوية والاحتكار والعشوائية، لن نعيد اختراع العجلة، وأساطير التقدم فى ظل مناخ سلطوى باتت سخيفة وباهتة.
***
فارق كبير بين الدولة القوية والدولة السلطوية، فارق كبير ين حماية الدولة من السقوط وبين تخوين كل من يختلف مع السلطة، كلنا نريد الدولة القوية لكنها دولة قائمة على العدل وتتسلح بالعلم ولا يقدم بعضهم فيها أنفسهم للناس على أنهم أنصاف آلهة لا تخطئ ولا ينبغى مراجعتها.
التشاركية الحقيقية والتعددية الكاملة والمنهجية العلمية مثلث متكامل الأضلاع لتحقيق الحكم الرشيد الذى ينتج عنه سعادة الناس ورفاهيتهم، الحكم الرشيد يوحد المجتمع ولا يفرقه، ويُعلم الناس لا يجهلهم، ويأخذ بيد الناس ويفتح لهم مسارات للأمل والعمل ولا يحبطهم ولا يغلق مسارات التطور والارتقاء فى وجوههم.
توهم أن أساليب الماضى وآلياته يمكن استنساخها وإعادة إنتاجها رهان على فشل محقق، سنة الكون هى التطور ولا يمكن الوقوف أمام عجلة الحياة ومعاندتها تحت أى مبرر، كل نظام متآكل يستطيع إصلاح نفسه من الداخل إذا توافرت الإرادة لتحقيق ذلك وإذا كان يشعر أصلا بوجود المشكلة، أما إذا استنفذ الوقت وعجز وتباطأ عن تحقيق هذه الإصلاحات فإنه يفتح الباب لسيناريوهات عدة لن تروق له بالتأكيد لكنها ستكون حتمية وعاصفة لا يمكن التنبؤ بها أو تحجيم تأثيراتها، التاريخ يقول ذلك!
مسارات التغيير الآمنة خير من مسارات مجهولة غير متوقعة، العودة لقضبان القطار خير من الاستمرار فى السير خارجها، نحن جميعا مؤهلون لذلك ولا ينقصنا سوى قناعة السلطة أن هذا الوطن لن يرى مستقبلا زاهرا ونحن نصر على السير عكس عقارب الساعة.
ستعود بسمة الناس وفرحتهم حين يشعرون بالأمل فى الغد، وحين يعود إليهم إحساس ملكية الوطن وحقهم فى المشاركة فى رسم مستقبله، من يخسر الناس لا يربح شيئا، الأمل باق طالما ظل الوعى حيا وطالما أبت الضمائر أن تتعايش مع القبح، غدا سيكون أفضل بالتأكيد من كل ما مضى، كل عام والمصريين جميعا بخير.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved