عضوية مجلس الأمن

سيد قاسم المصري
سيد قاسم المصري

آخر تحديث: السبت 31 أكتوبر 2015 - 1:20 ص بتوقيت القاهرة

عندما أنشئت الأمم المتحدة عام 1945 كان عدد الدول الأعضاء 51 دولة معظمها دول غربية ولاتينية، فلم تكن هناك سوى سبع دول عربية مستقلة فى ذلك الوقت وثلاث دول أفريقية ومثلها من الدول الآسيوية فلم تكن الهند ولا باكستان ولا ماليزيا ولا اندونيسيا ولا سائر دول الأسيان ولا الكوريتين استقلت بعد، وكانت اليابان معتبرة من الدول الأعداء..
لذلك كانت المنظمة شبه منظمة غربية أكثر منها دولية، وقد جاء منح الدول الكبرى حق الفيتو فى مجلس الأمن كأحد الضمانات لتشجيع الاتحاد السوفييتى على الانضمام، كما وافقت الدول المؤسسة أيضا على منح جمهوريتين من الجمهوريات الداخلة فى الاتحاد السوفييتى حقوق العضوية الكاملة وهى أوكرانيا وروسيا البيضاء وذلك لزيادة القوة التصويتية للاتحاد السوفييتى، وكانت الضمانة الثانية الهامة لتشجيع الدول على الانضمام هى النص فى الميثاق على عدم جواز التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأعضاء (المادة 2 فقرة 7).

***
وبعد مرور خمس عشرة سنة على توقيع ميثاق سان فرانسيسكو المنشئ للأمم المتحدة، وبعد تولى الجنرال ديجول رئاسة فرنسا ومنحه الاستقلال لعشرات الدول الأفريقية، وبعد موجة استقلال الدول الآسيوية التى حدثت فى تلك الفترة، ارتفع عدد الأعضاء إلى 120 دولة وكانت المجموعة الأفريقية تمثل قوة تصويتية لا يستهان بها.
وقد كان أهم قضايا المجموعة الأفريقية هى قضية العنصرية والأبارتايد، إلا أنها اصطدمت بجدار «عدم التدخل فى الشئون الداخلية».
وشرعت الدول الأفريقية ــ بمساندة حركة عدم الانحياز الناشئة ــ فى طرق جدار عدم التدخل حتى نجحت فى فرض حظر على إمداد جنوب أفريقيا بالسلاح ثم مقاطعة تامة للنظام العنصرى إلى أن وصل الأمر إلى طرد حكومة جنوب أفريقيا من الأمم المتحدة وفرض عقوبات شديدة على النظام العنصرى فى روديسيا الجنوبية (زيمبابوى).

***
كل هذه التطورات والتغيرات طرأت على مبدأ عدم التدخل فى الشئون الداخلية حتى وصلنا إلى اتفاقيات حقوق الإنسان التى تخرج هذه الموضوعات من نطاق الحظر المفروض بموجب المادة 2 فقرة (7) من الميثاق، ثم جاءت المحكمة الجنائية الدولية لتقنن الاختصاص العالمى فى بعض الجرائم الدولية وهى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، وقد شاهدنا فى العقدين الأخيرين تنامى التأييد لمفهوم التدخل الإنسانى ومفهوم «الحق فى الحماية The Right to Protect» وقد شاهدنا كيف تم التدخل العسكرى فى البوسنة وفى كوسوفو تحت هذه الشعارات وتحت غطاء من التأييد الشعبى العالمى الجارف.

مجلس الأمن:
وهكذا نجد أن مجلس الأمن مثلا الذى ظل لعقود طويلة لا يتعامل مع الحروب الداخلية والمجازر الرهيبة التى حدثت وتحدث داخل الدول بسبب مبدأ عدم التدخل فى الشئون الداخلية، إلا أنه بعد جدال طويل أصبح المجتمع الدولى يقر الآن بمشروعية التدخل بعد حدوث الكوارث الإنسانية المروعة فى الصومال والبوسنة ورواندا وكوسوفو، وقد تضمن تقريرا أعدته 16 شخصية عالمية عام 2003 بتكليف من الأمين العام بمشروعية التدخل من أجل الحماية فى مثل هذه الظروف.
ومنذ ذلك الحين نستطيع القول إن هذا المبدأ المستجد المتمثل فى وجود مسئولية جماعية لحماية الشعوب قد استقر بشرط أن يمارس هذه المسئولية مجلس الأمن.
إصلاح مجلس الأمن:
بالرغم من أن الميثاق ينص فى مادته الـ108 على إمكانية تعديله بأغلبية الثلثين وعلى عقد مؤتمر عام لمراجعته بعد عشر سنوات من اعتماده (المادة 109)، إلا أنه لم يجر تعديل الميثاق سوى مرة واحدة وذلك لزيادة عدد أعضاء مجلس الأمن من 11 إلى 15 عضو وهى العضوية الحالية.
وهناك شبه اتفاق على أهمية توسيع عضوية مجلس الأمن وإصلاح أسلوب العمل به. إلا أن الاتفاق يقف عند هذا الحد حيث تبدأ الخلافات حول كيفية إحداث هذه الإصلاحات.
ففى أواخر التسعينيات تكونت فى الأمم المتحدة مجموعة من الدول من أجل محاولة الاتفاق على أسس توسيع العضوية بمجلس الأمن وإصلاح أسلوب عمله بما فى ذلك طريقة التصويت والامتياز الممنوح للدول دائمة العضوية (الفيتو).
وعندما بدأ الحديث يدور حول هذا الموضوع وبدأت الاقتراحات تتوالى من مجموعات الدول المختلفة.. سارعت الولايات المتحدة ــ وكانت فى ذلك الوقت تتهيأ لتضع فوق رأسها تاج القطب الأوحد ــ سارعت بإعطاء إيماءة بالموافقة على زيادة عدد الدول الدائمة بالمجلس وغير الدائمة وذلك بشروط عديدة منها:
ــ أن تكون الدول الدائمة الجديدة ثلاثة فقط منهم ألمانيا واليابان.
ــ ألا يزيد العدد الكلى للمجلس عن 21 عضوا (أى زيادة قدرها ستة أعضاء من العدد الحالى).
واستاءت الدول النامية من هذا التوجه، حيث وجدت أن اقتراح الإصلاح المقدم من الولايات المتحدة يزيد من عدم التوازن وسيجعل التوزيع الجغرافى غير العادل أصلا أكثر ظلما إذ سيضيف إلى قوى الفيتو دولتين من التحالف الغربى وسيجعل قارة واحدة هى أوروبا تتمتع بأربعة مقاعد تملك حق الفيتو هى فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وروسيا.
وعندما بدأ الشد والجذب وحمى الوطيس فى أروقة الأمم المتحدة.. وتطورت الأمور على هذا النحو.. سارعت الولايات المتحدة باقتراح ما الـ Quick Fix أى إصلاح سريع مؤقت لحين إتمام الإصلاح الشامل وذلك بزيادة عدد الدول دائمة العضوية وصاحبة حق الفيتو من خمس إلى سبع ومنح هذين المقعدين الجديدين لألمانيا واليابان.. وبعد ذلك نتحدث كما تشاءون فى كل الأمور الأخرى.. وكان المنطق وراء هذا الاقتراح منطقا قويا، فاليابان وألمانيا هما الحقيقتان الساطعتان فى عالم اليوم ولا أحد يستطيع تجاهل هذه الحقيقة، وأن وجودها الدائم بمجلس الأمن يصحح كثيرا من الخلل لأنه يعكس بالفعل القوى الحقيقية فى العالم.
كانت الدولة التى استشاطت غضبا من هذا الاقتراح هى إيطاليا لأن انضمام ألمانيا إلى مجموعة الدول الكبرى دائمة العضوية بالمجلس إلى جانب فرنسا وبريطانيا يجعل إيطاليا التى كانت زميلة ألمانيا فى المحور فى أثناء الحرب تنزوى إلى فئة الدول الأقل درجة ونفوذا، فضلا عن أن إيطاليا تعتبر نفسها من الدول الأربع الكبرى فى أوروبا.. بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا.
وانبرت إيطاليا لتقود حملة مواجهة كالحرب الضروس فى الأمم المتحدة ووجدت آذانا صاغية فى دول العالم الثالث، وقد نجحت هذه الحملة فى وأد الاقتراح الأمريكى إلا أنها أدت أيضا إلى توقف محاولات الإصلاح حيث تبين للجميع استحالة تنفيذ أى اقتراح من الاقتراحات العديدة المطروحة بما فيها الـ Quick Fix ولذلك نحيت جميع الاقتراحات جانبا وظل الوضع على ما هو عليه.
والجدير بالذكر أن لجنة الـ16 التى شكلها الأمين العام كانت قد تقدمت باقتراحات محددة لزيادة عضوية المجلس من الفئتين الدائمة وغير الدائمة بحيث يصبح عدد الأعضاء 24 عضوا، واقترح لتحقيق ذلك اقتراحين بديلين:
البديل الأول:
ــ زيادة العضوية الدائمة بمقدار (ستة) أعضاء بالإضافة إلى الخمسة القدامى وزيادة العضوية غير الدائمة بمقدار (3)أعضاء.
البديل الثانى:
أما البديل الثانى فقد استحدث فئة جديدة هى فئة العضوية شبه الدائمة، وتتكون من (ثمانية) أعضاء كالتالى: (2) لأفريقيا ــ (2) لآسيا ــ (2) لأوروبا ــ (2) لأمريكا اللاتينية.. وتكون مدة العضوية 4 سنوات قابلة للتجديد.
الفيتو:
هناك اقتراحات عديدة بشأن الفيتو منها اشتراط تصويت دولتين دائمتين ضد مشروع القرار حتى يسقط أى ما يسمى فيتو مزدوج، ومنها وضع قائمة بالموضوعات التى يحق للدول الدائمة أن تستخدم فيها الفيتو، وما عدا ذلك لا يجوز استخدام الفيتو فيها، إلا أن قناعتى وكذلك معظم المحللين أنه من شبه المستحيل الاقتراب من نظام الفيتو لأن ذلك ــ ببساطة ــ يتطلب موافقة هذه الدول عن التنازل عن هذا الحق أو عن جزء منه، فالميثاق ينص على أن أى تعديل يجب أن يتضمن موافقة الدول الدائمة وأيضا موافقة برلمانات الدول الدائمة بأغلبية الثلثين على التعديل، وقد اعترف تقرير لجنة الـ16 بهذا الواقع عندما أشارت إلى «أهمية الفيتو لطمأنة الدول القوية، ولا يجد سبيلا لتغييره».
وكل ما يمكن القيام به هو إدخال تعديلات على لائحة الإجراءات لتحسين قواعد الشفافية.
والإصلاحات الأخرى:
هناك العديد من مجالات الإصلاح، فلا توجد مثلا معايير لاستخدام القوة العسكرية من قبل المجلس، كما أن المجلس أسرف فى تطبيق العقوبات التى طالت الشعوب أكثر من الحكام، وهناك مطالب عديدة بأن يضع المجلس حدا زمنيا لنهاية العقوبات المفروضة على دولة ما وهو ما يسمى بغروب شمس العقوبات Sunset Clause بحيث لا يكون إنهاؤها بقرار بل إعادة فرضها بقرار حيث إن الوضع الحالى يجعل رفع العقوبات رهنا بإرادة أى دولة من الدول دائمة العضوية، وفضلا عن ذلك فلا يوجد تعريف متفق عليه « للعدوان»، ولا يوجد تعريف للإرهاب.

***

انتخاب مصر لعضوية المجلس:
وهكذا نرى أن دور مجلس الأمن قد تنامى خلال العقدين الأخيرين ومأدبة المجلس عامرة بالمشكلات واجتماعاته أصبحت شبه يومية الأمر الذى يتطلب دعم الوفد المصرى لدى الأمم المتحدة بمزيد من الدبلوماسيين الشباب المتخصصين فى هذا المجال لتمكين مصر من أداء الدور اللائق بمكانتها الدولية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved