2014.. عام انطلاق مصر - عبدالمنعم المشاط - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 4:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

2014.. عام انطلاق مصر

نشر فى : الأربعاء 1 يناير 2014 - 8:20 ص | آخر تحديث : الأربعاء 1 يناير 2014 - 8:20 ص

طبيعة هذه المرحلة تكمن فى اتخاذ قرارات إستراتيجية كبرى ومحورية تنقل المجتمع والدولة المصرية من حالتها الراهنة إلى مستقبل أكثر اتساعا.

تشير الدراسات الاقتصادية والسياسية إلى أن الدول تمر بمراحل محددة للنمو، ولعل أهمها على الإطلاق مرحلة الانطلاق، وهى تتطلب شروطا أربعة؛ أولها: بناء مؤسسات سياسية واقتصادية عاقلة وفاعلة تبدأ بإقرار الدستور الوطنى الذى يحدد طبيعة العقد الاجتماعى بين المواطنين والدولة بما فيها الحكومة والرئاسة والبرلمان، وثانيها: وجود إجماع قومى، ولا أقول توافقا فقط، حول الأهداف القومية العليا للوطن ومستقبله ومكانته فى النظام الدولى، وثالثها: توافر الموارد القومية الطبيعية والبشرية أو بدائلها للاضطلاع بمسئوليات التنمية، وآخرها: وجود رؤية ثاقبة لكيفية تعبئة الموارد واستخدامها وتوظيفها لتحقيق الأهداف القومية المتفق عليها. ولقد مرت على مصر ظروف صعبة ومعقدة ومتشابكة منذ 25 يناير 2011 حتى اليوم دفعتنا إلى أن نطلق على هذه الفترة «المرحلة الانتقالية»، والتى تعنى أننا بصدد التجربة والخطأ، وأنه من العسير اتخاذ قرارات مصيرية بسبب غياب الإجماع القومى على أية خطط مستقبلية، وبسبب التطاحن بين القوى السياسية المختلفة لاقتناص المكاسب والمغانم الخاصة على حساب المصلحة القومية، ثم استيلاء الإخوان على السلطة طوال عام كامل كبيس من التفريط والتجزئة والاستحواذ والاستبعاد والتهديد والعنف، ثم ما تبعه من تواطؤ إلى حد خيانة المصلحة الوطنية العليا وإرهاب المواطنين وإشاعة الفوضى المدمرة، وباستقراء التاريخ المصرى منذ سبعة آلاف سنة وحتى اليوم لم يحدث قط أن تآمر المصريون مع الأغيار على مصلحة مصر الوطنية ومكانتها الدولية وسلامتها العضوية كما يحدث الآن على يد الإخوان وغيرهم من القوى غير الموالية للدولة المصرية.

•••

إن التوصل إلى دستور 2013 يشكل بالضرورة استجابة مصرية وطنية لتحدى المرحلة الانتقالية والرغبة الأكيدة فى إنهائها والتحول إلى حياة سياسية واقتصادية جديدة بآفاق متسعة، وإقرار الدستور فى منتصف يناير 2014 بأغلبية شعبية كاسحة يضع الأسس الراسخة لانطلاق مصر إلى آفاق المستقبل، وهو ما تتطلع إليه الجماهير المصرية البسيطة ونخبتها السياسية، ويلى إقرار الدستور استكمال بناء المؤسسات التشريعية والتنفيذية الأكثر دواما واستقرارا وتحملا للمسئولية، ويشكل إقرار الدستور الخطوة الأولى لانطلاق مصر عام 2014، وإن كان ذلك يتطلب حزمة من الخطوات لا يمكن حصرها، وإن كان يمكن إلقاء الضوء على بعضها؛ اختيار النواب والوزراء والرئيس القادم بصورة حرة تلقائية تضع المصلحة الوطنية فى مرحلة متقدمة على المصالح الفئوية أو الجغرافية أو ما عداها، هؤلاء هم المشرعون والمنفذون لمرحلة الانطلاق، لأن طبيعة هذه المرحلة تكمن فى اتخاذ قرارات استراتيجية كبرى ومحورية تنقل المجتمع والدولة المصرية من حالتها الراهنة إلى مستقبل أكثر اتساعا، ويتطلب ذلك الخروج من الصندوق والروتين التقليدى والإدارة الكلاسيكية إلى أسس تقوم على الثواب والعقاب، وتدفع إلى الإبداع والمخاطرة، وترتبط بذلك حتمية البدء فى تصدر الشباب المصرى المبدع ساحة المسئولية؛ فالانطلاق يتطلب ويستلزم الانتقال السلمى بين الأجيال، وتمثلت عقدة المرحلة الانتقالية فى الصراع الدامى بين جيل قديم مشبع بالثقافة الشمولية ولا يقبل، داخليا، ترك الساحة السياسية من ناحية، وجيل جديد من الشباب الذى لم تكن أمامه أية ملامح لأية فرص مستقبلية لتحمل المسئولية الوطنية.

•••

وترتبط ببناء المؤسسات التشريعية والتنفيذية حتمية تطوير المجالس المحلية والتغيير الجذرى لقواعد العمل بها؛ فهى إدارة متخلفة ومرتشية على الملأ وفى العلن، والمشكلة لا تكمن حتما فى تغليظ القانون، وإنما فى إجراءين متكاملين؛ يتمثل أولهما فى إحلال القيادات الإدارية الراهنة بكوادر شابة مدربة ملتزمة ومخلصة لقضايا المحليات والمجتمع المحلى. إن عملية الإحلال تلك ترسل رسالة قوية إلى المجالس والمجتمعات المحلية بمدى الجدية فى إحداث التغييرات الجذرية فى الإدارات المحلية، ويتصل ثانيهما بالانتقال من الإدارة المحلية إلى الحكم المحلى بما يعنيه ذلك من الاتفاق حول ما إذا كان اختيار المحافظين يتم بالتعيين أم بالانتخاب، وإن كنت أرى أن محافظى المحافظات الحدودية ينبغى أن يكون بالتعيين لارتباطه ارتباطا مباشرا بالأمن القومى المصرى، أما المحافظات الأخرى؛ فإنه يمكن النظر بجدية فى موضوع انتخاب محافظيهم لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة بطريق الانتخاب أيضا، وفى حالة التحول من الإدارة المحلية إلى الحكم المحلى، وهو تحول ضرورى ومهم؛ فإنه ينبغى الانتقال أيضا إلى اللامركزية فى الخدمات الأساسية، وعلى رأسها التعليم والصحة والنقل والسياحة... إلخ.

•••

كما يرتبط انطلاق مصر عام 2014 بالبحث فى الموارد الكامنة لدى الدولة المصرية، والتى لم يتم استخدامها بعد فى عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما ينبغى النظر فى الموارد والمصادر غير التقليدية؛ فقد أثبتت بعض الدراسات، على سبيل المثال، أن جبال محافظة أسيوط تحتضن كميات هائلة ولا نهائية من الذهب الذى يمكن استغلاله اقتصاديا، وربما بصورة أكفأ من منجم السكرى، وربما يفسر ذلك اختيار الفراعنة للأقصر كعاصمة للدولة المصرية القديمة بحكم قربها جغرافيا من جبال أسيوط؛ حيث كان المعدن الرئيسى الذى بنيت عليه الحضارة الفرعونية هو الذهب، يضاف إلى ذلك أن المناطق الممتدة من أسوان إلى البحر الأحمر تمتاز بوجود أفضل وأنقى الحجارة الكريمة فى العالم، هذا فضلا عما سبق وأوردناه مرارا حول نقاء رمال سيناء، والتى يمكن أن تستخدم استخداما صناعيا متطورا لإنتاج أنقى أنواع الزجاج ومكوناته، ومن الموارد التى ينبغى التفكير فيها، والتى يمكن أن تحدث تحولا جوهريا فى استهلاك وتكلفة الطاقة فى مصر هى التحول من البترول والغاز الطبيعى ومشتقاتهما إلى الطاقة الشمسية. ومن الخبرة المحدودة فى هذا الشأن؛ فقد تبين أن تكلفة البنية الأساسية المتعلقة بالطاقة الشمسية، رغم ارتفاعها نسبيا، يمكن تعويضها فى مدى قصير بطريق الاستهلاك الجماهيرى واسع النطاق.

•••

إن انطلاق مصر عام 2014 يعنى كلا من الاستقلال والاستقرار؛ فمصر تحتاج إلى الاستقلال الاقتصادى والاعتماد على الذات، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بتحويل القوى العاملة المصرية من قوى نصف أو ربع منتجة إلى طاقة إنتاجية كاملة، وذلك بخلق شعور وطنى بأن الانطلاق قدر وحتمية ومفيد للجميع، إلا أن الاستقلال يتطلب دون شك درجة عالية من الاستقرار وحالة أمان شاملة فى الشارع المصرى، ولن يتأتى ذلك إلا بالتطبيق الحازم للقانون وعودة العناصر الخارجة عن الإجماع الوطنى إلى حضن الوطن بكل ما يعنيه ذلك من تفانٍ وإخلاص والتزام بمستقبله وأمنه. إن كلا من الاستقلال والاستقرار يضيف إلى المكانة الإقليمية والدولية المنتظرة للدولة المصرية الجديدة، وإن كان ذلك يتطلب بادئ ذى بدء وجود صناع قرار لديهم رؤية واضحة لأبعاد الانطلاق فى العام القادم وما بعده.

عبدالمنعم المشاط استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات