من أهان القضاء؟ - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 8:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من أهان القضاء؟

نشر فى : الجمعة 1 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 1 فبراير 2013 - 8:00 ص

حين جلست أمام قاضى التحقيقات المنتدب من وزارة العدل للتحقيق فى الاتهامات المتعلقة بإهانة القضاء لم أتخيل أن يكون دليل الاتهام الذى يناقشنى فيه هو كلمة لى تحت قبة البرلمان عقب الأحكام التى صدرت فى قضايا قتل المتظاهرين والتى عرفت بمحاكمة مبارك وقيادات الداخلية، قلت فى التحقيق إننى أمارس دورى الذى انتخبنى الشعب من أجله وهو الرقابة والمساءلة فى ضوء ما أفهمه من مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال كل سلطة مع حق كل مواطن وكذلك ممثلو الشعب فى إبداء الملاحظات على أداء أى مؤسسة لأن كل مؤسسات الدولة ملك للشعب، ولا قداسة لأى مؤسسة تمنع المواطنين من تناولها ونقدها طالما كان ذلك فى حدود الأدب والقيم والأعراف التى استقر عليها المجتمع.

 

•••

 

بتفريغ محتوى الكلمة التى ألقيتها بالبرلمان توقف المحقق أمام كلمة تطهير القضاء التى اعتبرها أصحاب الشكوى إهانة وتشكيك فى القضاء، فأحلته إلى برقية المستشار الغريانى رئيس المجلس الأعلى للقضاء ــ حينهاــ التى أرسلها إلى مجلس الشعب معاتبا بعد أحد الجلسات التى امتلأت بنقد المحاكمات وبطء العدالة وجاء فيها ما معناه أن كل مؤسسات الدولة تحتاج إلى الاصلاح والتطهير ولكن دعوا القضاة يقومون بأنفسهم بتطهير مؤسستهم واصلاحها دون تدخل من أى جهة.

 

تحدثت فى كلمتى عن طمس أدلة الاتهام على يد بعض الأجهزة الأمنية لإخفاء معالم الجرائم وسألنى المحقق: أليس هذا اتهاما وتشكيكا فى النيابة العامة وكيف تيقنت من طمس الأدلة؟ فأجبته ان هذا الاتهام ليس موجها للنيابة العامة بل إلى الأجهزة التى قامت بفرم آلاف الأوراق وإتلاف سيديهات مواد مصورة من مواقع الأحداث لتخلو ملفات القضايا بعد ذلك من أدلة اتهام حقيقية تدين المتورطين فى قتل المصريين وأنا أبدى رأيى وأتساءل لماذا لم يتم منع عملية الإتلاف وملاحقة من قاموا بذلك؟!

 

مع غرابة توقيت فتح التحقيق فى هذه الشكاوى بإهانة القضاء كان مفاجئا لى أن من قدموا الشكاوى وأدلة الاتهام مجموعة تزيد على 1400 قاض وقاموا بتقديم هذه الشكاوى فى عدد من النواب والشخصيات العامة من السياسيين والاعلاميين.

 

•••

 

من حق رجال القضاء أن يغضبوا اذا استشعروا إهانة مؤسسة القضاء أو التشكيك فيها ولكن عليهم أيضا أن يدركوا الحالة التى يمر بها المجتمع المصرى منذ الثورة فى فقد الثقة فى كل ما حوله من أفراد ومؤسسات وأن يلمسوا حالة الاحباط لدى أسر الشهداء والثوار من إفلات المجرمين الحقيقين من العقاب فى أغلب قضايا الثورة.

 

سألت المستشارين الذين يحققون معى عن معنى إهانة القضاء وهل ما حدث أمام المحكمة الدستورية لا يعد إهانة واعتداء على القضاء؟ ولماذا لم يتم توجيه نفس التهمة لمن حرضوا على ذلك وشاركوا فيه؟

 

كان مما آلمنى أثناء التحقيق تذكرى لمظاهرات دعم القضاة والدفاع عن استقلال القضاء أيام مبارك عام 2006 والتى تم سحلنا فيها والاعتداء علينا بقسوة بسبب موقفنا الداعم وها هى الأيام تمر ونجد أنفسنا متهمين بإهانة القضاء!

 

•••

 

لا أكتب هذا المقال فى الاطار الشخصى بل فى الاطار العام الذى يجب أن يلتفت إلى أمرين فى غاية الأهمية وهما أولا: فكرة مساءلة نائب البرلمان عما يبديه من آراء تحت قبة البرلمان هى مشكلة فى غاية الخطورة ويجب على البرلمان القادم اعداد لائحة داخلية جديدة توضح حدود هذه المساءلة وضوابطها لأن وجود شبح المساءلة على إبداء الآراء والنقد، لمن اختارهم الشعب ليمثلوه ويدافعوا عن حقوقه تثير المخاوف حول معوقات تحد من أداء ممثلى الشعب فى القيام بواجباتهم التى تم انتخابهم من أجلها.

 

ثانيا: مفهوم الفصل بين السلطات يجب اعادة النظر فى كيفية تطبيقه لنميز بين الشكل المطلق والشكل المرن لهذا الفصل.

 

حين كتب مونتسكيو فى مؤلفه «روح القوانين» الذى صدر سنة 1748عن مبدأ الفصل بين السلطات رأى أن وظائف الدولة الأساسية ثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية ويتعين لضمان الحرية إعمال مبدأ الفصل بين السلطات وعلة ذلك هو أن كل إنسان يمسك بالسلطة يميل إلى إساءة استعمالها ولا يتوقف إلا عندما يجد أمامه حدودا، ولمنع إساءة استعمال السلطة يجب ترتيب الأمور بحيث توقف السلطة السلطة.

 

ومن هنا نشأ تفسيران لمبدأ الفصل بين السلطات، الأول: هو فصل مطلق جامد يقوم بفصل تام بين السلطات وإلى وضع حواجز صماء بينها حيث إن كل سلطة ستجد أن سبب وجودها هو الوظيفة التى تمارسها فتنغلق على نفسها لمجرد أداء هذه الوظيفة، وتمنع نفسها من التدخل أو الاعتداء على السلطة المجاورة.

 

والثانى: فصل نسبى مرن يرى ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة عبر قيام صلات بين السلطات، طالما أن هذه السلطات ليست سوى تروس فى آلة واحدة وهى الدولة لذلك الأفضل أن يقال أن المطلوب هو استقلال السلطات وليس الفصل بينها.

 

•••

 

ليس من مصلحتنا كمصريين كسر هيبة أى مؤسسة مهما كان أداؤها وما حدث من معارك مع مؤسسة القضاء خلال الفترة الماضية صنع شرخا بين جموع القضاة يجب تجاوزه، حماية القضاء من الاهانة تبدأ بإقرار قانون استقلال السلطة القضائية بعد توافق القضاة عليه وسرعة الفصل فى القضايا التى تهم الرأى العام، وكذلك ابعاد كل الوجوه التى أساءت للمؤسسة القضائية، سنظل ندعم استقلال القضاء مهما حدث ومهما كانت ملاحظاتنا على بعض الأمور لأن صرح العدالة هو ضمانة لبقاء الدولة واذا لم يجد الناس من يرجعون اليه ليفصل بينهم ويثقون فى حكمه فسيتمزق المجتمع وهذا ما لا نرجوه أبدا للوطن.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات