أعرف صديقة لها من ذكاء الضمير ما يدفعها أحيانا للإقدام على بعض ما قد يخشى البعض وإن رغبوا فى الإقدام عليه من أفعال. لها زيارات تتكرر لمستعمرات الجذام فى أبوزعبل والعامرية. تعود منها راضية صافية النفس وإن امتلأت عيناها دائما بالدموع وهى تحكى لى عن تفاصيل حياة تلك المجموعة من البشر التى يجمعها هم واحد ربما طول العمر فى مكان واحد.

ذكرتها وأنا أشاهد فقرة أذاعتها محطة تليفزيون بى.بى. سى البريطانية عن مرض الجذام فى مصر. كيف أن الأدوية الحديثة كان لها أثر فى انحسار المرض من العالم وإن ظل شبحه يسكن معالم جغرافيا بلدان عالم آخر فيه تتجاور الهند، أنجولا، إندونيسيا، نيبال، النيجر ومصر.

يرعى مرضى الجذام فى مصر جمعية كاريتاس الأهلية التى تحدث القائمون على العمل فيها عن دورهم فى رعاية المرضى وعائلاتهم. تحدثوا أيضا عن أبوزعبل أول مستعمرة للجذام فى مصر والتى أنشئت عام 1930 وكان الغرض منها عزل المرضى تماما بعيدا فى الصحراء عن الأصحاء فى المدن. كيف أن العمران امتد إليها الآن فأصبحت مدينة لا تختلف عن غيرها حتى أن أحد معالمها أصبح سجن أبوزعبل.

انتهى دور المستعمرة إذ أصبح معظم المرضى أحرارا من العدوى وإن ظلت علامات الإصابة به باقية كبصمة للشر الذى احتل هذا الجسد يوما. فقدان لبعض أو كل أصابع اليد والقدمين، تشوهات فى معالم الوجه لكن المريض يعبر عن سعادته بأنه الآن غير معدٍ حينما يمد يدا أو ما بقى منها ليصافحك.

انحسر المرض وانتهت عزلة مستعمرة أبوزعبل لكن هناك بقية من أثر ومرضى يفضلون مغادرة المكان وتحويله إلى عيادة خارجية للمتابعة ومكان للحصول على الدواء.

يشير آخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية 2005 إلى أن هناك 1.134 حالة جذام جديدة تم تشخيصها فى مصر هذا العام. وهو رقم كبير نسبيا إذا ما عرفنا أن المرض انتهى تماما فى بلاد مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها من بلدان الشمال.

«عشرون عاما وأنا أعيش هنا. إلى أين أرجع ومن سيعرفنى أو أعرف إذا غادرت هذا المكان إلى المجهول؟» سؤال اعتبرته موجها لى شخصيا باغتنى به أسامة على أحد سكان تلك المستعمرة فى حديثه عن المستقبل بعد شفائه، فهل ترانى أستطيع الإجابة عنه إذا استعنت بصديق؟