سارق الغطا - داليا شمس - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 1:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سارق الغطا

نشر فى : الأحد 1 مارس 2015 - 8:20 ص | آخر تحديث : الأحد 1 مارس 2015 - 8:20 ص

كل طرف يجذب اللحاف نحوه، يشد الغطاء لينعم بقسط أكبر من الدفء، وقد يلجأ إلى حيلة لف الأرجل مع تثبيت اليدين أعلى الفرش، ليتحول السرير إلى منطقة صراع خاصة فى ظل احتدام البرد. شد وجذب ليلى يدخل الزوجان إلى منطقة تحديد المساحة الحرة لكل منهما، كيف يمكن أن يظلا معا، متحدين، متقاربين، مع الاحتفاظ بحق الآخر فى الاستمتاع بنوم هادئ وراحة شخصية.

لم تنتشر غرفة نوم الزوجين بوضعها الحالى إلا فى القرن التاسع عشر، مع صعود البرجوازية والرغبة فى مزيد من الخصوصية. وكانت الكنيسة الكاثوليكية فى أوروبا هى من أضفت نوعا من القدسية على فكرة فراش الزوجية، دعما لاستمرارية المجتمع وحرصا منها على السيطرة. لكن فى الأساس لم تكن هذه عادة طبيعية أو تلقائية لدى البشر، لذا يظل بعض الأزواج يحاولون ترويض المسافات والتأقلم على المشاركة مع عدم رفضهم للفكرة التى تضفى على علاقتهم نوعا من الحميمية المطلوبة، فاختلفت قياسات السرير التقليدى المخصص لفردين من بلد لآخر: 170 سم فى إيطاليا، 135 فى إسبانيا، 140 فى فرنسا، 160 فى الولايات المتحدة الأمريكية وهو الدارج عندنا أيضا فى مصر... وهناك من الأزواج من دأب على زيادة حجم المرتبة 20 سنتيمترا كل عشرين عاما لمراعاة المراحل العمرية المختلفة، فى حين يجنح آخرون إلى استغلال غرفة نوم الأطفال الذين كبروا وتركوا البيت، ليناموا على سراير منفصلة، فلا يزعج أحدهما الآخر عند دخول الحمام المتكرر أو بسبب القلق المتزايد مع السن. وهناك أيضا من يجعل فراش الزوجية منفصلا ــ متصلا على طريقة الدول الإسكندنافية، فينام الطرفان جنبا إلى جنب، ولكل لحافه الخاص الذى يقيه من البرد القارس والمشاحنات الليلية.

•••

النساء عادة تعانين أكثر من أصوات الضوضاء والحركة أثناء النوم، فسيدة المنزل تكون حساسة لمثل هذه الأشياء ربما لأنها اعتادت أن تراقب كل كبيرة وصغيرة أو تتوقف عند التفاصيل، أما الرجل فهو يشعر بالأمان أكثر عندما يغفو إلى جوار شريكته، حتى وإن تحرك بمعدل 40 إلى 60 حركة فى الليلة الواحدة، كما تؤكد بعض الدراسات الغربية.

كل هذه إشارات لتطور العلاقات الأسرية والشكل القادم للمجتمع، هل يسير نحو مزيد من الفردية أو إلى الاندماج والالتحام؟ وهو ما تناوله بجدية محببة عالم الاجتماع الفرنسى ــ جون كلود كوفمان ــ فى كتاب صدر منذ شهرين بعنوان «سرير لشخصين» (Un lit pour deux)، جمع فيه الباحث 150 شهادة لأزواج وزوجات حول التشارك فى غرف النوم، فى محاولة للوقوف على تطلعاتهم فى الحياة عموما والتوجهات الجديدة للمجتمع.

وهو يرى أن «الفراش هو خط التماس بين رغبات متنازعة داخل المجتمع: الرغبة فى القرب من الحبيب أو الشريك وبناء عالمنا الصغير من ناحية وتحقيق أهداف شخصية من ناحية أخرى. الطريقة التى يتم بها التنسيق بين هذين الغرضين تدلنا بدرجة ما على كيفية تغير المجتمع، نحو مزيد من الوحدة أو الفردية والاستقلالية أم ماذا؟ (...) الترتيبات المختلفة التى يتخذها الأزواج مازالت تبهرنى، حتى بعد ثلاثين عاما قضيتها فى دراسة العلاقات الأسرية، فهم ينجحون دوما فى الوصول ــ كل على طريقته ــ إلى صيغ للتعايش والتشارك، وهذه الصيغ تبدأ من مرحلة النوم».

•••

أصوات الشخير، حركات مباغتة كما لو كنت تنام إلى جوار راقص هيب هوب، أقدام باردة، محاولات مستميتة للسيطرة على اللحاف أو لتغطية الأذنين فى حين يشعر الآخر بالاختناق... بعض هذه التحديات جعلت 20% من الأزواج حول العالم يفضلون النوم فى حجرات أو أسرة منفصلة، فى حين اكتفى البعض بأن يختار فراش أكبر حجما، ضاربا عرض الحائط بالقياسات التقليدية فى بلاده وبصغر مساحة الشقق.. يتم الاستغناء غالبا عن طاولات النوم الصغيرة التى توضع عادة إلى جوار الأسرة، فالتضحية بها أفضل من التضحية بشريك أو من التشاجر ليلا، وهو ما تشير إليه الدراسات التسويقية التى قام بها أشهر بائعى الأسرة حول العالم. كما لو كانت الرسالة بوضوح: لم نعد نخشى التطرق إلى المواضيع الحرجة أو المسكوت عنها. نعم نريد مزيدا من الاستقلالية، ولكن لا نستغنى عن الدفء الأسرى والمشاعر... وهى المعادلة الصعبة.

التعليقات