عن الإمعان فى إماتة السياسة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن الإمعان فى إماتة السياسة

نشر فى : الجمعة 1 أبريل 2016 - 9:55 م | آخر تحديث : الجمعة 1 أبريل 2016 - 9:55 م
حين تشتد حدة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية أو تتزايد دلائل فشل السياسات العامة المطبقة أو يتسم أداء المؤسسات والأجهزة الرسمية بالعشوائية والقصور أو تتآكل القاعدة الشعبية المؤيدة للحكم أو تخرج صراعات مراكز القوى المختلفة إلى العلن وتلحق الضرر بفرص الحكم فى البقاء، فإن حكومات استبدادية وسلطوية كثيرة تحاول من خلال الانفتاح السياسى احتواء الضغوط التى تحاصرها والبحث عن سبل لاستعادة شىء من التوازن المفتقد فى علاقتها مع المواطن والمجتمع.

حين تقرر حكومات استبدادية وسلطوية الانفتاح السياسى، فإنها عادة ما تبدأ بتضييق نطاقات إجراءاتها وممارساتها القمعية، وتتراجع عن بعض الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان، وترفع شيئا من القيود المفروضة على الحريات المدنية وأبرزها حرية التعبير عن الرأى وعلى الحريات السياسية وأبرزها حرية التنظيم والعمل السياسى، وتتوقف عن تعقب وتهديد ومعاقبة الحركات النقابية (العمال) والمهنية (موظفو الجهاز الحكومى) والشبابية (الطلاب) ومنظمات المجتمع المدنى المعنية بالدفاع عن حقوق وحريات المواطن.

ولا تنظر مثل هذه الحكومات إلى الانفتاح السياسى إلا كعلقم تتجرعه لكى تحتوى الضغوط التى تحيط بها، ولا تطبقه إلا بالقدر الذى تراه لازما لاستعادة شىء من التوازن والحفاظ على البقاء، وتظل على مقاومتها الشرسة لأمور كتداول السلطة وصندوق الانتخابات الحر واكتساب معارضيها المهارات الضرورية للحكم.

●●●

حين تقرر حكومات استبدادية وسلطوية الانفتاح السياسى، فإنها عادة ما توقف أيضا بعض الإجراءات والممارسات التى تسمح للمؤسسات والأجهزة التنفيذية بالتغول على السلطات العامة الأخرى واستتباعها تكوينا وأفعالا وقرارات.

هنا يتحول الانفتاح السياسى إلى مرادف لتمكين المؤسسات التشريعية والقضائية من قدر من الاستقلالية النسبية، ومن صياغة أدوارها على نحو به حرية نسبية وربما شىء من مقارعة دور السلطة التنفيذية، ومن ثم اكتساب مصداقية شعبية كسلطات عامة فاعلة تشارك فى إدارة شئون البلاد ولا تترك أمر المواطن والمجتمع للتنفيذيين.

هنا يتحول الانفتاح السياسى إلى مرادف لتقوية الهيئات المنوط بها رقابة المؤسسات والأجهزة التنفيذية، إن هيئات حكومية (كالجهاز المركزى للمحاسبات فى الحالة المصرية) أو شبه حكومية (كالمجلس القومى لحقوق الإنسان فى مصر)، وغل يد التنفيذيين عن العبث باستقلاليتها واستتباعها.

هنا يتحول الانفتاح السياسى إلى مرادف لغل «اليد النافذة» للأجهزة الأمنية عن العبث باستقلالية أدوار المؤسسات التشريعية والقضائية وعن الفرض الدائم للقيود على عمل الهيئات الرقابية، وقد يتطور ذلك إلى إخضاع الأجهزة الأمنية ذاتها لشىء من الرقابة ولبعض من إجراءات المساءلة والمحاسبة.

فى جميع هذه السياقات، إذن، تستهدف الحكومات الاستبدادية والسلطوية بالانفتاح السياسى البقاء فى مواقعها والحفاظ على سلطتها، وترى فى الحد من الإجراءات والممارسات القمعية وفى إلغاء بعض القيود الواردة على الحريات المدنية والسياسية وفى التوقف عن تعقب المجتمع المدنى وفى غل يد السلطة التنفيذية عن التدخل فى أدوار المؤسسات التشريعية والقضائية وعمل الهيئات الرقابية «تنازلات» واجبة التقديم لكى يتم احتواء الضغوط التى تحاصرها ويستعاد شىء من التوازن المفقود بسبب الأزمات المتصاعدة.

●●●

أما فى مصر، فالحكومة السلطوية الراهنة تشتد حدة الأزمات المحيطة بها وتتسارع معدلات تآكل تأييدها الشعبى بينما هى تصر على الإمعان فى إماتة السياسة وتسفيهها عوضا عن إحيائها، وتوسع نطاق القمع عوضا عن الحد منه، وتمكن للمزيد من تغول السلطة التنفيذية وتطلق اليد النافذة للأجهزة الأمنية عوضا عن إخضاعها لشىء من إجراءات الرقابة والمحاسبة. ويكفى للتدليل على توجه الحكومة المصرية النظر فى بعض أحداث الأيام القليلة الماضية؛ ١) حملة ممنهجة جديدة لقمع منظمات المجتمع المدنى، وإخضاع عملها للمزيد من القيود، وتعريض العاملين بها لخطر التعقب المستمر. ٢) تغول لرأس السلطة التنفيذية على الجهاز المركزى للمحاسبات والعصف باستقلاليته بعزل رئيسه، المستشار هشام جنينة، فى ممارسة نتيجتها الوحيدة هى الإلغاء الفعلى لإمكانية مراقبة الجهاز للسلطة التنفيذية دون تحسب لتهديد أو خوف من قمع. ٣) يرتب إطلاق اليد النافذة للأجهزة الأمنية تراكما كارثيا للمظالم ولانتهاكات حقوق الإنسان وتعاملا مأساويا مع جريمة قتل طالب الدكتوراه الإيطالى جوليو ريجينى والتى أضيف إليها أخيرا جريمة قتل خمسة مصريين خارج القانون ممن ألصقت بهم عضوية «عصابة خطف الأجانب» المزعومة. ٤) عزل عدد من القضاة المحترمين كالمستشار محمد ناجى دربالة أو إحالتهم إلى التقاعد كالمستشار زكريا عبدالعزيز بسبب تعبيرهم عن رأيهم بحرية أو معارضتهم لبعض السياسات الرسمية، لا انفتاح سياسيا قادما فى مصر، ولا احتواء للضغوط التى تحاصر المواطن والمجتمع والدولة. فقط المزيد من القمع، والمزيد من تغول السلطة التنفيذية، والمزيد من تراجع التأييد الشعبى.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات