جريمة رفع علم السعودية فى مصر - خالد أبو بكر - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:23 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جريمة رفع علم السعودية فى مصر

نشر فى : الأحد 1 مايو 2016 - 9:55 م | آخر تحديث : الأحد 1 مايو 2016 - 11:06 م
(1)

المكان: كل شبر من أرض مصر

الزمان: تاريخ مصر المديد

يولد المصرى وينشأ على تقديس خاص لرمزية «علم مصر». بمجرد دخوله المدرسة يكون على موعد مع تلك اللحظة الاستثنائية التى يقف فيها الجميع فى «وضع الثبات» أثناء تحية العلم. «تحيا جمهورية مصر العربية».. تهتف حناجر الصغار والأبصار شاخصة فى إباء تجاه العلم الذى يرفرف فى كبرياء على ساريته، ويا لها من فرحة تلك التى يشعر بها سعيد الحظ الذى يتم اختياره ضمن «حرس العلم» أثناء إجراءات الطابور الصباحى.

يتخرج الشباب، ويتوجهون لأداء الخدمة العسكرية فى القوات المسلحة المصرية؛ فيزيد ارتباطهم بـ«العلم»، الذى يقفون لتحيته مرتين يوميا.. صباحا فى «طابور التفتيش» ومساء فى «طابور التمام»، عندما يهتف القائد بأعلى الصوت «تحيا جمهورية مصر العربية» تسرى فى الجسد قشعريرة، يقف معها شعر الرأس من فرط مهابة اللحظة.

فى المحافل الرياضية الدولية تلتف قلوب المصريين حول «علم مصر».. يرتفع منسوب الفخر الوطنى عندما يعتلى أبطالنا منصات التتويج متدثرين بهذا «العلم» بألوانه الأحمر والأبيض والأسود.. هكذا يتربى المصرى على احترام علم بلاده.

(2)

المكان: لبنان

الزمان: ديسمبر 2006

بيروت هى أول عاصمة عربية زرتها فى مهمة صحفية، توجهت إليها فى ديسمبر 2006 لتغطية الأزمة السياسية التى ضربتها، والتى على أثرها دخلت المعارضة فى اعتصام مفتوح فى ساحتى «رياض الصلح» و«الشهداء» وسط العاصمة لإسقاط حكومة فؤاد السنيورة.

أول ما لفت انتباهى فور دخولى اعتصام قوى المعارضة (حزب الله، حركة أمل، التيار الوطنى الحر، الحزب القومى السورى..) هو أننى وجدت علم إيران وعلم سوريا ينافسان العلم اللبنانى. وهو نفسه الذى تكرر فى فاعليات معسكر الموالاة (تيار المستقبل، الكتائب، القوات، التقدمى الاشتراكى..) حيث كنت تجد العلم السعودى حاضرا بقوة فيها.

رفع الأعلام الأجنبية على الأرض اللبنانية كان منظرا غريبا وشاذا بالنسبة لشاب مصرى مثلى تربى على تقديس علم بلاده. كنت أقول بفخر: من المستحيل أن نرى هذا المنظر فى مصر الكبيرة التى لم تكن يوما ساحة لمشاريع إقليمية أو دولية على الأقل منذ الاستقلال.

عدت من بيروت وكتبت مادحا المعارضة المصرية فى حينه. قلت بالرغم من التضييق والقمع الذى تعانيه إلا أن فكرة رفع علم دولة أجنبية أمر هى بعيدة كل البعد عنه.

(3)

المكان: القاهرة

الزمان: 25 أبريل 2016

فى يوم «عيد تحرير سيناء» خرجت مظاهرات لمواطنين يحملون العلم المصرى احتجاجا على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، والتى تنازلت مصر بمقتضاها عن جزيرتى «تيران» و«صنافير» الاستراتيجيتين فى مدخل خليج العقبة. وفى المقابل خرج بعض المؤيدين لقرار التنازل عن هاتين الجزيرتين وهم يحملون علم السعودية!

بعيدا عن ذلك الجدل المرير حيال هذه الاتفاقية التى تنتظر مصادقة البرلمان عليها، كان التعامل عنيفا مع المحتجين الذين رفعوا علم بلادهم أثناء التعبير عن رأيهم الرافض للتنازل عن أرض وقر فى قلوبهم وعقولهم منذ عقود طويلة أنها أرض مصرية، ثم صحوا فجأة لتقول لهم السلطة إنها «سعودية»، فى حين كان الاحتفاء بأولئك الذين اقترفوا جريمة رفع علم دولة أخرى على أرض الوطن لافتا ومستغربا!.

أمام هذا الاحتفاء استعادت الذاكرة المشهد اللبنانى فى 2006، أيقنت أن المسافة بين 2006 و2016 كانت كفيلة بإحداث المستحيل على أرض مصر.. كانت كفيلة بقيام مواطنين مصريين برفع علم دولة أخرى على أرض المحروسة وبمباركة رسمية. أكاد أجن من تكرار المشهد اللبنانى فى مصر الكبيرة التى مهما كانت قساوة اللحظة الراهنة عليها فهى غير مبرر للتنازل أو التسامح مع جرح الكرامة الوطنية.. غير مبرر لذلك الانسحاق الذى يتجاهل حقائق التاريخ وحقائق الجغرافيا وحقائق «الدور المصرى» وحقائق الشخصية المصرية!.

فى النهاية أقول إلى كل من رفع أو سهّل أو تواطأ ولو بالصمت المرحب على جريمة رفع علم السعودية على الأرض المصرية: بأى وجه سترفع رأسك لتثبت عينيك فى النسر الذى يتوسط العلم المصرى الشامخ لتقول فى أى مناسبة «تحيا جمهورية مصر العربية؟!».
التعليقات