أركان الشورى وشروطها - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أركان الشورى وشروطها

نشر فى : الجمعة 1 يونيو 2012 - 8:35 ص | آخر تحديث : الجمعة 1 يونيو 2012 - 8:35 ص

جمال قطب ذكرنا سابقا أن الشورى فريضة مماثلة لفريضتى الصلاة والزكاة، مستدلين على ذلك بوضع القرآن الكريم للشورى بين هاتين الفريضتين فى بيان توضيح صفات عباد الله المصلحين، حيث يقول (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).

 

 فالشورى قيمة أساسية فى منظومة القيم الاسلامية، وفى نفس الوقت هى سمة من سمات الشخصية المسلمة، ومعلم من معالم المجتمع، وركن ركين من أركان الدولة (وظيفة سلطة أساسية)، لهذا نحاول التعرف على حقيقة الشورى لنتعرف على أركانها وشروطها.

 

حقيقة الشورى:

 

ليست الشورى كما يتوهم البعض مجرد مظاهرة حاشدة لبعض أو كل الآراء بغرض استدراجهم لتأييد وجهة معينة بما يعرض عليه من معلومات منقوصة، أو ما يصطنع ويتضخم أمامهم من عقبات بقصد توجيه الناس ودفعهم دفعا نحو وجهة معينة، ولو كانت تلك الوجهة فى نظرنا هى الحق الصراح.

 

لكن الشورى فى حقيقتها هى: «سعى جميع الفرقاء نحو جماعية متوافقة تأتى من استمرار تقارب الفرقاء حول نقاط الالتقاء المتاحة توافقا أو تقاطعا».

 

فالشورى جهد وجهاد مؤسسى لا يسعى لترجيح رأى على آخر، بل يسعى لتخليق رأى جديد تلتقى عليه الأغلبية الغالبة، وليس مجرد الأغلبية المطلقة 51% وتؤتى الشورى أكلها كل حين بإذن ربها إذا نتجت عبر ثلاثة أركان هى:

 

1ــ الجمع والتحليل 2ــ المقاربة والتعديل 3ــ السداد والتفعيل

 

الركن الأول: الجمع والتحليل هو: عملية استدعاء وحشد لنسقين من المدخلات أولهما: حشد جميع ذوى الشأن من (أــ التخصص العلمى ب ــ الاختصاص الوظيفى (العملى) جـ ــ المسئولية السياسية) وذلك مشروط بالمشاركة الفاعلة لجميع التوجهات وتمكينها من العرض، وكذلك عدم إقصاء أو عزل أى طرف، وعدم إهمال أية رؤية مهما كان صاحبها أو حجمها ولو كان كالهدهد بالنسبة لنبى الله سليمان (صلى الله عليه وسلم).

 

وثانى هذين النسقين: هو استدعاء وحشد جميع المقومات المباشرة وغير المباشرة وجميع الدراسات والاحصاءات للموارد والآليات والأدوات ورصد جميع الغايات البعيدة والوجهات المعروضة والمقاصد التى يهتدى بها، ولنا فى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسوة حسنة فقد استوعبت الشورى يوم بدر (المهاجرين والأنصار) و(القادة والجنود) و(الرجال والنساء) و(الشيوخ والشباب) و(الأغنياء والفقراء) و(العرب وغير العرب) إذ سمعنا أصوات الحباب بن المنذر وسلمان الفارسى، صهيب الرومى وبلال الحبشى (رضى الله عنهم)، وفى أُحد التزم الرسول (صلى الله عليه وسلم) رأى الشورى وترك رأيه، وفى موقعة الخندق كان رأى سلمان الفارسى هو أساس التخطيط وسر النصر، وفى البحث عن وسيلة لحشد الناس للصلاة استمعت القيادة لكل الاقتراحات رغم كونها اقتراحات تقليدية خالية من الإبداع ليدرك الجميع قيمة المشاركة وأهمية المساهمة. بل ساهمت الأقدار الإلهية بإنزال صيغة الأذان فى رؤية منامية لرجل من غير القادة هو عبدالله بن زيد (رضى الله عنه) ليعلم الجميع أن مشاركة جميع المستويات هو شرط الوصول إلى بر الأمان، وهكذا فالركن الأول للشورى هو حشد (العقول ــ الرؤى ــ المعلومات)، والاستقصاء والرصد والإحاطة بالممكن، والدوافع، والمصاعب، والمانع والمستحيل، لتصوير المسألة على حقيقتها تصويرا يحدث أقصى مقاربة بين الفرقاء تحقيقا للأخوة الوطنية والاحساس بمسئولية المشاركة وأيضا يوصلنا إلى جميع مصفوفات البدائل مرتبة ترتيبا يدفع الجميع لإعادة النظر فيما يراه.

 

والركن الثانى للشورى: هو «المقاربة والتعديل».

 

وأقصد به استئناف جميع الشركاء لعملية الترجيح والاختيار بين البدائل المعروضة، وكذلك بحث امكانية توليد بديل جديد بتلاقح وتداخل البدائل المعروضة وذلك بشرط:

 

< الوصول إلى أعلى درجة توافق بين الشركاء من خلال تقارب الجميع حول نقاط التماس والتقاطع ولو أدى ذلك إلى تدرج الإنجاز، فارتفاع نسبة التوافق أولى من رجحان رأى يهدر تراضى شرائح من الشركاء يمكن استقطابها بتحرى التقارب معها.

 

وثالث أركان الشورى هو «السداد والتفعيل» والمقصود بالسداد هو اهتداء الشورى لرأى سديد يسد (يغلق) الانسحاب أو التشرذم، ويفتح التلاحم والتكامل، وهذا ما وصفه القرآن «القول السديد» وتعارف الفقهاء على تسميته «بالمصلحة» والمصلحة شرعا تستوفى خمسة شروط هى:

 

1ــ رأى صالح فى ذاته (خالٍ من مسببات الفساد).

 

2ــ  مصلح لموضعه (دون آثار جانبية ضارة).

 

3ــ  مصالح للجميع (يحقق أعلى نسبة تصالح ولا يعزل أحدا).

 

4ــ مصطلح عليه (مؤسس لمصطلح محدد مفهوم ومقبول يضمن استمرار التصالح).

 

5ــ مستصلح لغيره (يضيف إلى ما يجاوره أو يتقاطع معه أسباب الصلاح).

 

فالقول السديد أو المصلحة التى تثمرها الشورى هى تحقيق أقصى تقارب بين أكبر عدد من الشركاء حول نقاط التماس والتقاطع، تلك هى أركان الشورى وشروطها ويبقى علينا تنظيم الشورى وتفعيلها بمشيئة الله.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات