«لا» بريطانية فى وجه الجامعة العربية - صحافة عربية - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 11:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«لا» بريطانية فى وجه الجامعة العربية

نشر فى : الجمعة 1 يونيو 2018 - 10:10 م | آخر تحديث : الجمعة 1 يونيو 2018 - 10:10 م


فى أكتوبر من العام ١٩٦٤، قرر مجلس الملوك والرؤساء العرب فى مؤتمرهم بالإسكندرية، وضع خطة للعمل العربى المشترك فى إمارات الخليج العربى، وقاد عبدالخالق حسونة أمين عام الجامعة العربية، فى ذلك الوقت، وفدا عربيا. يضم ممثلين شخصيين للملوك والرؤساء العرب والمجاورة بلادهم لهذه الإمارات، ويضم محمود على الداوود (العراق) والسفير محمد المنصور الرميح (السعودية) والسفير بدر الخالد البدر (الكويت) إضافة إلى سيد نوفل الأمين العام المساعد للجامعة العربية. حيث وصل هذا الوفد فى بداية مهمته إلى الكويت، واجتمع بسمو أميرها، ومع عدد من المسئولين الكويتيين، وتم فى هذا اللقاء بلورة الخطة العربية لتعاون الجامعة مع إمارات الخليج العربى، ثم انتقلت البعثة إلى البحرين ومنها إلى قطر ودبى والشارقة وبقية الإمارات العربية. واجتمعت مع جميع الحكام، وحضرت اجتماعات شعبية، ولاقت ترحيبا شعبيا واسعا، وزينت الطرقات والمنازل بأعلام الجامعة العربية، ودولها الأعضاء، وعلت فيها الهتافات العربية الحماسية للزعماء العرب، وتمثلت الصورة الرائعة فى استقبالات الشعب العربى للبعثة فى دبى والشارقة وغيرهما.


وتشير وثيقة من وثائق الجامعة العربية الرسمية، إلى أن البعثة العربية، اكتشفت أن بريطانيا لم تنشئ أى طريق يربط هذه الإمارات، تكريسا للحواجز بينها، والتخلف فيها، على الرغم من استعمارها الطويل لهذه المنطقة، ولم تقم بأى مشروع للرى أو الزراعة، أو للتعليم والرعاية الصحية أو الثقافة أو التنمية، سوى مدرستين مهنيتين صغيرتين إحداهما فى الشارقة والثانية فى دبى فى عام ١٩٦٣.

وتحدث تقرير البعثة عن دور الكويت ومصر فى تقديم الخدمات التعليمية، والصحية، حيث وصل عدد أعضاء البعثة التعليمية الكويتية إلى ١١٥ مدرسا، وعدد المدارس ٢٤ مدرسة، وعدد البعثة التعليمية المصرية، بلغ ٨٠ مدرسا.
كما تحدث التقرير، عن حاجة المنطقة إلى المعونات العربية، وتفضيل حكامها، تقديم المعونات بواسطة الجامعة العربية، وليس باسم دولة أو دول معينة، وحاجتها العاجلة، إلى بعض المشروعات العمرانية والاقتصادية، كتمهيد الطريق بين دبى ورأس الخيمة، وتوفير مياه الرى والكهرباء. وأشار التقرير إلى تألم حكام المنطقة من مهاجمة الإذاعات والصحافة العربية لهم.

من ناحية أخرى، وجهت بعثة الجامعة العربية، عناية خاصة إلى أخطار الهجرة الأجنبية إلى المنطقة، وبخاصة الهجرة الإيرانية، وهجرات هندية وباكستانية ومن شرق إفريقيا، إضافة إلى قضايا أخرى، مثل تسوية مشكلات الحدود بين الإمارات المتعددة، والحث على التعاون والتنسيق بينها، ودعم مكاتب مقاطعة «إسرائيل» فى المنطقة وبخاصة بعد أن تبين أن منتوجات «إسرائيلية» تتسرب إلى أسواقها من خلال إيران.

وقررت الجامعة العربية، إيفاد بعثة تضم خبراء فى الطرق والمياه والكهرباء والتنمية إلى المنطقة، وإنشاء مركز تنمية للجامعة العربية فى إحدى إمارات الساحل، إضافة إلى إنشاء صندوق لمعونة الإمارات الصغيرة الفقيرة، تساهم فيه السعودية والعراق والكويت، والدول العربية الأخرى الراغبة فى المساهمة، وإمارات الخليج العربى القادرة على المساهمة.

كما تقرر وقف جميع الحملات الإذاعية والصحفية ضد حكام الإمارات، لتهيئة الجو للتعاون، والعمل على نشر الوعى العربى وتنمية الروابط الأخوية، وتبادل الزيارات مع هذه الإمارات، ودعوة حكامها والمسئولين فيها لزيارة العواصم العربية.

وقد سارعت بريطانيا، لعرقلة جهود جامعة الدول العربية، حيث قام المعتمدون البريطانيون فى المنامة وقطر وأبوظبى ودبى بالاجتماع مع حكام الإمارات، وفرضوا على الاجتماع قرارا يقضى بأن يفتح حساب باسم صندوق تطوير الإمارات «المتصالحة»، تورد إليه جميع التبرعات الواردة من المصادر الخارجية والداخلية، وهو القرار البريطانى المعارض لصندوق التنمية الذى وضعته جامعة الدول العربية، وقد عارضت الكويت القرار البريطانى، وفى مثل هذه الأجواء المتوترة، وصل المنطقة فى مطلع العام ١٩٦٥ «مستر طومسون» وزير الدولة البريطانى، ليمارس المزيد من الضغوط على حكامها لرفض مشروع الجامعة العربية، والامتناع عن فتح مكاتب للجامعة فى عدد من مدنها، كما هدد بعض الحكام بالعزل، وخاصة حاكم الشارقة، وحاكم رأس الخيمة، إن لم يسحبوا موافقتهم على التعاون مع الجامعة.. وفى نهاية المطاف تم عزل ونفى حاكم الشارقة.

عارضت بريطانيا، كل الجهود العربية الجماعية، لمساعدة وتنمية إمارات الساحل، ولامت الحكام على موقفهم المؤيد لمشروعات الجامعة العربية، والتى قادتها ودعمتها ماديا وفنيا السعودية والكويت والعراق ومصر.

وقد أتيحت لى فرصة الاطلاع على عشرات من الوثائق التى تضم برامج تطوير الإمارات «المتصالحة» كما كانت تسمى قبل قيام الاتحاد. وفيها تفاصيل المشاريع التنموية العربية، من بنية تحتية إلى مدارس ومستشفيات وزراعة وكهرباء وطرق وتطوير لصناعة الأسماك، وإنشاء مراكز للشرطة ولرعاية الطفولة والأمومة، ومشروعات المياه الجوفية وبناء مستشفى الجامعة العربية بالشارقة، ومستوصفات فى عدد من قرى الإمارات الشمالية، وقد لاحظت أن اللجان الفنية العربية قد وضعت مشاريع التعاون الفنى، لكل إمارة على حدة، ووفقا لاحتياجاتها، وعلى أساس مشروعات للسنوات الخمس القادمة، كما لاحظت أن لجنة ثلاثية من الخبراء والفنيين تقرر فى منتصف العام ١٩٦٥، إيفادها إلى دبى، لتلتحق بمكتب دولة الكويت فى دبى.

لكن يبدو، من الوثائق الرسمية أن بريطانيا وضعت حدا لكل هذه المحاولات العربية، وأغلقت الأبواب أمامها، وكانت الحجة البريطانية، والمقدمة بلغة دبلوماسية ملتوية تقول: «إن المساعدات العربية يجب أن تكون عن طريق مكتب التطوير، الذى أنشأته بريطانيا، وتحت إشرافها، فضلا عن التذرع بأن اتصال أو تواصل حكام الإمارات مع الجامعة العربية، وقبول مشروعاتها التنموية مناقض للمعاهدات المبرمة بين إماراتهم، وبين السلطات البريطانية. بأن تتولى هذه السلطات الشئون الخارجية لكل الإمارات».

صفحات مطوية من التاريخ، بحاجة إلى كشفها وتعريف الأجيال الجديدة بها. وليتذكروا أن عرب الأمس لم ينسوا أو يهملوا هذا الجزء من الوطن العربى.. وأن أجدادهم رفعوا العربة التى كانت تقل عبدالخالق حسونة، على أكتافهم، ترحيبا بالحضور العربى، فى أزمنة الشدة.

 

 

يوسف الحسن
الخليج ــ الإمارات

التعليقات