الجنون - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجنون

نشر فى : الأربعاء 1 يوليه 2015 - 10:20 ص | آخر تحديث : الأربعاء 1 يوليه 2015 - 10:20 ص

لست أنا المجنون، بل العالم هو..

أستعير هذه العبارة التى تحضر دوما فى كتابات وأعمال فلاسفة ومفكرين ومبدعين، وطالعتها صباح الأمس على غلاف رواية «1Q84» للأديب اليابانى هاروكى موراكامى، لكى أقارب بعضا مما يحدث من حولى وأحدد ملامح نظرتى إليه.

الجنون هو جرائم الإرهاب والعنف والتطرف التى لا تدع يوما يمر دون سقوط ضحايا جدد وخرائط دماء إضافية ومشاهد دمار مرعبة.

الجنون هو تبرير الإرهاب والرقص فوق أجساد وأشلاء الضحايا الذين انتهك حقهم المقدس فى الحياة واستباحة الدم الحرام والاستعلاء غير الأخلاقى وغير الإنسانى على حزن المكلومين ودموعهم.

الجنون هو الربط الميكانيكى بين جرائم الإرهاب والعنف والتطرف وبين غياب الديمقراطية وحضور الاستبداد والانتهاكات والفساد، فالعوامل الكارثية هذه تصنع بيئات مجتمعية قابلة للإرهاب وللعنف ومساعدة على التطرف دون أن ترتب حتمية حدوث الجرائم المروعة ودون أن يلغى غيابها وحضور الديمقراطية والتقدم والشفافية احتمالية الحدوث.

الجنون هو تجاهل العلاقات الارتباطية بين الإرهاب والعنف والتطرف وبين إهدار قيمة العقل والعلم والمعرفة وشيوع الجهل والثقافات الفرعية المعتاشة عليه والمعتاشة كذلك على عبث الطائفية والمذهبية والقبلية وعلى شرعنة التمييز ضد الآخر وصولا إلى نزع إنسانيته، والجنون هو أيضا توهم أن البشرية تستطيع أن تنتصر للعقل وللعلم وللمعرفة بسهولة ويسر ودون شروط أساسية أهمها الاستثمار الحقيقى فى تنشئة الناس وتعليمهم وتمكينهم من ممارسة الاختيار الحر وحق التعبير الحر عن الرأى ومن المبادرة الفردية وإقرار المساواة الكاملة بعيدا عن أنماط السلطة الأبوية إن داخل الأسرة التى تهمش النساء والأطفال أو فى القطاعات المجتمعية التى تميز ضد الضعفاء وضد الأقليات وضد المغردين خارج السرب أو فى أبنية الدولة ومؤسساتها وأجهزتها التى تتنصل من مسئولية الحياد تجاه جميع المواطنات والمواطنين.

الجنون هو أن نخضع للابتزاز غير الأخلاقى وغير الإنسانى لطوائف مبررى الإرهاب والعنف والتطرف فسادا وزيفا باستدعاء مبادئ وقيم ديمقراطية هى منهم براء أو بتوظيف متهافت لبعض التأويلات الدينية التى أبدا لا تصمد أمام إعمال العقل وإحياء الضمير أو باستدعاء مقولات فاشية وشوفينية تشوه فكرة الوطنية وتصنع منها نسقا مرعبا يمرر ويبرر ويصفق للمظالم ولانتهاكات الحقوق والحريات ولجرائم ضد الإنسانية التى تتورط بها سلطات حاكمة وتهوى بها إلى غياهب لا تختلف كثيرا عن عصابات الإرهاب.

الجنون هو أن يحدث حولنا كل هذا ثم نواصل الانخراط فيه كبائسين وتعساء صغار، فإما الابتعاد والبحث عن أبواب الخروج وإما الانتصار دون مساومات وتحايلات سأمتها الدنيا / الطبيعة منا للعقل وللعلم وللمعرفة ومن ثم للعدل والسعادة والحرية.

 

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات