مازال أملنا فى النمو كبيرا - ريم عبد الحليم - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مازال أملنا فى النمو كبيرا

نشر فى : الأربعاء 1 يوليه 2015 - 10:55 ص | آخر تحديث : الأربعاء 1 يوليه 2015 - 10:55 ص

لا شك أن انخفاض سعر البترول عالميا قد جعل الحكومة سعيدة الحظ فى العام الماضى، فقد حدث وفر يتراوح بين 30 ــ 40 مليار جنيه من بند دعم المنتجات البترولية.

إلا أن هذا الوفر لم ينعكس فى الحد من العجز المتوقع عند بداية العام، بل فقط فى الحد من معدل زيادته، فوفق البيان الصحفى الذى أصدرته وزارة المالية كذلك، فإن نسبة العجز للناتج المحلى الإجمالى بلغت فى عام 2014/2015 نحو 10.8%. اتخذت موازنة 2014/ 2015 مسار واضحا للحد من الإنفاق العام ولكن العجز استمر فى الزيادة! لولا الحظ السعيد!

إن استهداف الحد من عجز الموازنة فى ذاته لا يتحقق باستهدافه محاسبيا، بل يتحقق بسياسات تستطيع الحد منه فعليا، من خلال معدل نمو مرتفع وعادل فى الوقت ذاته من أجل طلب فعال، وحصيلة ضريبية متناسبة مع النمو المتحقق، وإصلاحات مؤسسية تركز على عمل معالجات جادة للمشكلات المتعلقة بالتسويات بين المؤسسات الحكومية والمؤسسات ذات الطابع الخاص والخزانة العامة للدولة والحد من الهدر فى الإنفاق العام المرتبط بالمديونيات بين الحكومية، وسد جميع مساحات الفساد فى الإنفاق الحكومى وإدارة جيدة لأصول الدولة المتبعثرة فى أذرع الجهاز البيرقراطى.

***

إن مصادر تحقق النمو تشمل الاستثمارات الحكومية الفعالة وهو ما لم يتحقق فى الموازنة المعروضة لعام 2015 ــ 2016 حيث بقيت نسبة الاستثمارات المستهدفة متدنية، لم تزد على 8.5% من جملة المصروفات، أو طلب خاص يتم تحفيزه، وهو الأمر الصعب تحققه فى ظل الضغوط التضخمية والتى تستكمل بالمزيد من رفع الدعم والتركيز على ضريبة القيمة المضافة كمصدر أساسى للموارد العامة. الحكومة فى الوضع الحالى تعول كثيرا على القطاع الخاص لخلق هذا النمو المرغوب ومحاولة توفير فرص العمل.

هى ذاتها الفلسفة التى كانت متبعة دائما، والتى أتى منها القانون 91 لسنة 2005 بتوحيد سعر ضريبة الدخل والحد من الإعفاءات كذلك، والتى تبعها زمنيا تعظيم دور قطاع الإنشاءات والعقارات كمنتج سريع لفرص العمل «الرخيصة» وموفر جيد لقنوات ادخار واستثمار جيد فى العقارات والأراضى. وهى الفلسفة التى نجحت بالفعل فى خلق نمو بلغ 7.2% فى عام 2007/2008، معتمد بالأساس على قطاعات استخراجات الغاز والبترول والمنشآت ودفع القطاع العقارى.

ومن هنا يأتى الحديث عن تخفيض ضريبة الحد الأقصى لضريبة الدخل لما لا يتعدى 22.5%، وإلغاء العمل بضريبة القيمة من الدخل التى تزيد على المليون جنيه ومضاعفة دعم الصادرات لتشجيع التصدير.

***

السياسة الاقتصادية فى طرحها لهذا التصور فاتها نوعان من المشكلات، الأول مرتبط بخبرات الماضى والتى تستوجب تصحيحا فى السياسة الاقتصادية لم نره، والثانى يتعلق بالمشكلات الحالية التى تجعل الوضع مختلفا.

الجانب الأول، أن التجربة السابقة أرتنا أن النمو الذى تم إنتاجه كان هشا تعرض لأكثر من أزمة، كما أنه لم يستطع ليس فقط خلق فرص عمل عادلة بل خلق فرص عمل طويلة الأمد أو مستقرة «آمنة»، بما جعل الأفقر يحيا الأزمة الاقتصادية أسرع وأسبق من الأحسن حالا.

الجانب الثانى يتعلق بوجود متغيرات جديدة فى الوضع الحالى، أولها، أن جانب من استثمارات القطاع الخاص مسبقا ارتبط بوجود مساحة أكبر من الطلب الحكومى والاستثمارات الحكومية، وكانت نسبة الاستثمار الحكومى للمصروفات العامة فى موازنة عام 2007/ 2008 نحو 10.6%، وكانت مدفوعات الفوائد للدين العام المقدرة وقتها 21.5% من المصروفات؛ فى حين بلغت فى موازنة العام المالى المقترح أكثر من 28%، فى حين كان مقدرا لها فى موازنة 2014/ 2015 نحو 25% من المصروفات، وانخفاض هذه المساحة فى الوقت الحالى خاصة مع تزايد أسعار النفط عالميا من جديد يضع النظام الحالى أمام مشكلات عدة.

وثانيها، تزايد التوقعات الرسمية حول معدل التضخم وتزايد التضخم المحسوس فعليا، وعدم وجود مسارات واضحة غير مؤلمة لتخفيضه، وثالثها، إحتمالات تفاقم الفقر بعد تخفيض الدعم العام الماضى دون وجود أية شبكات للأمان الإجتماعى، وعدم إحداث نشاط اقتصادى كاف لخلق عدد كبير من فرص العمل على الرغم من ذلك مع تباطؤ الاقتصاد العالمى، ورابعها، مشكلات السيولة وامتصاص جانب كبير منها فى تمويل الدين العام، وخامسها، مشكلة الطاقة الكافية وتوافرها، وسادسها، إشكاليات الواقع السياسى التى لا يمكن إنكار تكلفتها الاقتصادية، فالقمع الذى تعول عليه السلطة لتمرير قرارات قاسية اقتصاديا أملا فى الانتفاع من فائضها بعد حين، يمثل فى ذاته عبئا على السلطة الحاكمة، فيحتاج إلى تمويل مستقل ويحتاج للمزيد من غياب الشفافية؛ ومادامت الدولة تستعيض بالقوة عن آليات الديمقراطية، فسوف يستمر وضع الصراع الداخلى بين أطراف النظام الاقتصادى الموروث منذ عقود بما فى ذلك جهاز الدول البيروقراطى ومكوناته على الانتفاع من المزايا والحد من التأثيرات السلبية للأزمة عليه؛ إنها حالة عدم استقرار مغذاة ذاتيا.

***

لابد من خطة منطقية للدفع بالنمو الحقيقى خلال العام القادم بشكل فعال وعادل، فلو تم التركيز على البدء من معالجة أزمة العجز فى الموازنة العامة للدولة وفقط سوف ندور فى نفس الدوائر المغلقة، وسرعان ما يواجهها مخاطر التضخم وارتفاع سعر الفائدة.

فمازلنا نرجو نموا، ولكن إن لم تعمد الدولة لتحقيقه بطريق عادل وسليم فسوف يتحقق بتكلفة ومعاوضات مرتفعة للغاية وآثار اجتماعية أكثر قسوة، وجزء معتبر من هذه التكلفة يأتى من تأثيرات خلل النظام نفسه فى الوقت الذى قد تسعى السلطة لإعادة إعادة بنائه بتشوهاته، لندور فى حلقات مفرغة، نرى نهايتها ولا يمكننا تجنبها!

ريم عبد الحليم أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة باحثة متخصصة في شؤون الفقر
التعليقات