السيد من حقل السبانخ - محمد موسى - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السيد من حقل السبانخ

نشر فى : السبت 1 أغسطس 2009 - 9:46 م | آخر تحديث : السبت 1 أغسطس 2009 - 9:46 م

 كانت تائهة فى زحام البشر بميدان الجيزة الاستثنائى، تبحث عن ميكروباص حلوان. وفجأة هبط أمين الشرطة على الميدان فقامت القيامة فى الموقف غير الشرعى.

هربت السيارات مثل زواحف عملاقة مذعورة، ودارت كألعاب الملاهى فى الشوارع المزدحمة بالناس والبضائع، لتبحث عن ركابها بعيدا عن أمين الشرطة. وعندما عثرت السيدة العجوز على ميكروباص يخطف زبائنه على الماشى، ساعدها أحد الركاب على الصعود، لكن قبل أن تجلس قالت: «الأجرة جنيه ونص. رد السائق بهدوء: كل الناس عارفة إن الأجرة اتنين جنيه إلا ربع. وعندما رفضت، قال أحد الركاب: مش حتفرق ربع جنيه. ردت بحسم غير عادى: لأ تفرق، الربع جنيه دا حاصرفه على حاجة تانية».

الربع جنيه مازال عملة تتحكم بمصائر أغلبية تضم هذه السيدة والملايين مثلها، وهى أغلبية وصفها السيد أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطنى، قبل أيام فى الدقهلية بأنها أغلبية سعيدة، بعد «انخفاض البطالة، ودخول ٧٥٠ ألف طالب إلى سوق العمل سنويا، وتحسن الدخول وانخفاض أسعار بعض السلع»، أو كما قال.

كل شىء أفضل فى مصر، طبقا للمصدر شبه المسئول السيد أحمد عز من لجنة السياسات. «فى عام ٢٠٠٣ كان يباع ٨٠ ألف سيارة، أما فى عام ٢٠٠٨ فقد تم بيع ٣٠٠ ألف سيارة، مما يدل على وجود أسر قادرة على الادخار من دخلها لشراء سيارة، كما أن الطبقة المتوسطة هى التى ترسل أبناءها للتعليم الخاص».

عن أى بلد يتحدث السيد أحمد عز؟ ولماذا بدأ التاريخ لديه من عام 2003 أكثر من مرة خلال الحديث؟ وهل مبيعات السيارات هى المؤشر المناسب للحديث عن أهلنا فى مصر؟.

قبل أن ينتهى الرجل من كلامه، كانت مؤسسة «بيو» البحثية الأمريكية المرموقة تعلن نتائج استطلاع أجرته فى مصر، بداية الشهر الماضى، قال فيه 4 أشخاص من كل عشرة إن المستقبل لا يبعث على التفاؤل، وإن الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءا.

ومن بين شعوب 25 دولة شملها الاستطلاع، منها 5 دول عربية، أظهرت النتائج أن «المصريين هم الأقل اعتقادا بأن المستقبل يحمل شيئا إيجابيا لأطفالهم». وفى سؤال الأوضاع المالية الشخصية، جاء المصريون فى المركز الأخير، فقال سبعة من كل عشرة مصريين، بالضبط 69%: إن وضعهم الاقتصادى الشخصى سيئ.

المفاجأة السخيفة هى أن المصريين كانوا أكثر تفاؤلا فى استطلاع العام الماضى الذى أجرته نفس المؤسسة، حين أعرب نحو نصف المشاركين عن أملهم فى المستقبل، وها هم يغيرون رأيهم فى عام واحد فقط.

المفاجأة الأسخف: أن تقرير البنك الدولى قبل أسابيع فقط قال إن ٧ ملايين مصرى كانوا فوق خط الفقر، غاصوا تحت الخط بسبب ارتفاع معدل التضخم، وزيادة الأسعار، فيما تهاوى نحو مليون ونصف المليون من «المستورين» ليرتطموا بحدود خط الفقر، طبقا للبنك الدولى. فمن أين جاء السيد من لجنة السياسات بكل هذه المؤشرات الوردية؟.

لا تفسير سوى أن السيد ليس من هذا البلد، ولا يتحدث عنه، بل جاء من رحاب قصة خيالية، على غرار «السيد من حقل السبانخ»، رواية الخيال العلمى للكاتب صبرى موسى، لذا فهو يتحدث عن شعب افتراضى من المليونيرات، يتسابق على شراء السيارات الجديدة، ويجد شبابه المدلل بدل الوظيفة الواحدة 750 ألف وظيفة كل عام.

محمد موسى  صحفي مصري