العرب فى مرآة الغرب - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العرب فى مرآة الغرب

نشر فى : الخميس 1 سبتمبر 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : الخميس 1 سبتمبر 2016 - 9:30 م
إذا أردت أن تعرف قيمة الإنسان العربى فى حضارة العصر الذى نعيش فما عليك إلا أن تقضى بعض الوقت فى أوروبا. حاول أن تتحسس وأن تتابع أحاديث الناس فى مجالسهم، رسائلهم فى الصحف، المواضيع التى تشغلهم ويعبرون عنها فى اتصالاتهم بمحطات الإذاعات والتليفزيونات ووسائل الاتصال الاجتماعى الشعبى.

لا تدع نفسك تضيع فى متاهات التصريحات والمواقف الحكومية الأوروبية الرسمية: تصريح مخادع لذلك المتحدث العسكرى، تبرير كاذب لذلك الناطق باسم هذه الوزارة الخارجية أو تلك، تقرير إعلامى مدفوع الأجر لصاحبه أو مصدره. لا تنشغل بأخبار خطط وكالات الاستخبارات لتجنيد هذه الجهة واغداق السلاح على تلك الجبهة.

تلك كلها اهتمامات رسمية نفعية لصالح الشركات ومصانع الأسلحة، وخيوط فى شبكات الصراعات والتوازنات الدولية.

الأسئلة الأساسية: ما موقف المواطن الأوروبى العادى تجاه مآسى وأوجاع ودمار الوطن العربي؟ ما مقدار الإحساس بالأهوال التى يعيشها العرب وما مقدار التعاطف والتعاضد مع ضحاياها؟ ما حجم التكافل الإنسانى والأخوة البشرية؟ ما نوع وشدُة ردود الأفعال تجاه استباحة أوطان الآخرين وإسقاط أنظمتهم وتقسيم دولهم والتدخُل فى كل صغيرة من شئون حياتهم؟

تجيب على تلك الأسئلة مقارنة بين ظاهرتين الأولى تتمثل فى موت طفل أوروبى بسبب عضة من قبل كلب مسعور. ما إن يتم الحدث المأساوى حتى تكتب الصحف وتتحدث وسائل الإعلام المختلفة ويعبر الجمهور بكل وسيلة لديه عن رثائه للضحية وعن تعاطفه الإنسانى مع عائلة تلك الضحية، ثم تنهال الاقتراحات حول ضرورة ونوع التعديلات فى القوانين المتعلقة بتربية الكلاب ووسائل ضبطهم لمنع مثل هكذا حوادث. يستمر ذلك الهرج والمرج عدة أيام مثيرا للإعجاب بصورة التمدُن والتحضُر.

لنعاون ذلك بالظاهرة الثانية. فى نفس الوقت، إبان لحظات تلك المأساة الأوروبية يموت المئات من أطفال وشيوخ وعجائز العرب تحت أنقاض ما بقى من مدن العرب. يحدث ذلك على يد بربريات ميليشاوية جهادية مجنونة وقوى أمنية عسكرية لا ترحم ومستشارين تابعين لاستخبارات أجنبية تابعة لبعض دول أوروبا. فما هو ردُ الفعل تجاه أنهار الدماء العربية وتشريد وتهجير الملايين العرب ليعيشوا فى مخيمات الذل أو يهيموا على وجوههم ليموتوا فى البحار أو على حدود بلدان الغرب التى باتت لا تريدهم؟

ردُ الفعل ليس أكثر من نتف من الأخبار القصيرة التى تُتلى فى بضع ثوان، ثمُ يطويها النسيان. لا نقاش ولا جدال ولا اعتراض ولا مقترحات فيما بين الناس العاديين. نفس الإنسان الذى تفاعل بإنسانية وأريحية تجاه عضة كلب مميتة يتفاعل ببرودة عواطف وبقلة اكتراث تجاه موت العشرات من العرب. نحن لسنا أمام إنسانين إذن!

وإنما أمام طرفين متباينين لمأساة واحدة. ظرف تبنيه وتفرضه المبادئ والممارسة الديمقراطية التى تحتم على الكل التفاعل والتعاضد مع كل ذى محنة. من هنا شفافية الإعلام للحدث المحلى ونقاش الناس المستفيض حول الحدث المحلى. أما الظرف الآخر فتبنيه وتفرضه المصالح ولا غير المصالح. نحن هنا لسنا أمام إعلام المجتمع وإنما أمام إعلام المصالح. فإذا كانت المصلحة لهذه الجهة أو تلك أن لا يخوض الإعلام فى موضوع موت العرب وعذاباتهم فإنه لن يخوض، إلا من رحم ربى، وهو أقل القليل.

***

لكن الشيطان يظل يلعب فى رأسى: كيف تفسر إذن خروج الملايين لمنع الكذابين جورج بوش وتونى بلير من احتلال العراق؟ هل كان ذلك عطفا إنسانيا على شعب العراق أم كان خوفا على شبابهم من أن يموتوا فى حرب عبثية؟

فى إحدى الأمسيات أحضر حفلة افتتاح عزف السيمفونية الثانية للمؤلف النمساوى، توماس لارشر، التى ألفها منذ بضعة أشهر، وأعلن أنها كانت من وحى الألوف الذين غرقوا فى البحر الأبيض المتوسط وهم يحاولون الهرب من جحيم بلدانهم. لقد صفق الجمهور بحرارة هائلة للمؤلف الذى كان واقفا على المسرح. هل كان التصفيق للفنُ الرفيع أم للتعاطف الإنسانى الذى عبرت عنه السيمفونية وهى تصور أهوال البحر وعذابات الغرقى؟

أطرد الشيطان من داخل رأسى. أقول لنفسى: يا صديقى لا تحاول الإجابة على تلك الأسئلة، فالغرب ليس أكثر من مرآة تعكس ما يدور خارجها، بما فى ذلك عذابات أمتك ودمار وطنك العربى. ركز على إصلاح المعكوس بدلا من العاكس، إذ العلة الأساسية فى المعكوس، فهو وحده القادر على تبديل صورته وقدره فى هذا العالم.
علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات